المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَآبِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (55)

وقوله تعالى : { إن شر الدواب } إلى { يتقون } المعنى المقصود تفضيل الدواب الذميمة كالخنزير والكلب العقور على الكافرين الذين حتم عليهم بأنهم لا يؤمنون ، وهذا الذي يقتضيه اللفظ ، وإما الكافر الذي يؤمن فيما يستأنفه من عمره فليس بشر الدواب .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَآبِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (55)

استئناف ابتدائي انتقل به من الكلام على عموم المشركين إلى ذكر كفّار آخرين هم الذين بينّهم بقوله : { الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم } الآية . وهؤلاء عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم وهم على كفرهم ، ثم نقضوا عهدهم ، وهم مستمرّون على الكفر ، وإنّما وصَفَهم ب { شر الدواب } لأنّ دعوة الإسلام أظهر من دعوة الأديان السابقة ، ومعجزةَ الرسول صلى الله عليه وسلم أسطع ، ولأنّ الدلالة على أحَقّية الإسلام دلالة عقلية بيّنة ، فمَن يجحده فهو أشبَه بما لا عقلَ له ، وقد اندرج الفريقان من الكفّار في جنس { شر الدواب } .

وتقدّم آنفا الكلام على نظير قوله : { إن شر الدواب عند الله الصم البكم } [ الأنفال : 22 ] الآية .

وتعريف المسند بالموصولية للإيماء إلى وجه بناء الخبر عنهم بأنّهم شرّ الدوابّ .

والفاء في { فهم لا يؤمنون } عطفت صلة على صلة ، فأفادت أنّ الجملة الثانية من الصلة ، وأنّها تمام الصلة المقصودة للإيماء ، أي : الذين كفروا من قبل الإسلام فاستمر كفرهم فهم لا يؤمنون بعد سماع دعوة الإسلام . ولمّا كان هذا الوصف هو الذيّ جعلهم شرّ الدوابّ عند الله عطف هنا بالفاء للإشارة إلى أنّ سبب إجراء ذلك الحكم عليهم هو مجموع الوصفين ، وأتى بصلة { فهم لا يؤمنون } جملة إسمية ؛ لإفادة ثبوت عدم إيمانهم وأنّهم غير مرجو منهم الإيمان .

فإنّ تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي المنفي مع عدم إيلاء المسند إليه حرف النفي ، لقصد إفادة تقوية نفي الإيمان عنهم ، أي الذين ينتفي الإيمان منهم في المستقبل انتفاء قوياً فهم بعداء عنه أشدّ الابتعاد .

وليس التقديم هنا مفيداً للتخصيص ؛ لأنّ التخصيص لا أثر له في الصلة ، ولأنّ الأكثر في تقديم المسند إليه على الخبر الفعلي المنفي ، إذا لم يقع المسند إليه عقب حرف النفي ، أنْ لا يفيد تقديمه إلاّ التقّوي ، دون التخصيص ، وذلك هو الأكثر في القرآن كقوله تعالى : { وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون } [ البقرة : 272 ] إذ لا يراد وأنتم دُون غيركم لا تظلمون .