الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{إِنَّ شَرَّ ٱلدَّوَآبِّ عِندَ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (55)

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: إن شرّ ما دبّ على الأرض عند الله الذين كفروا بربهم فجحدوا وحدانيته، وعبدوا غيره. "فهُمْ لا يُؤْمِنُونَ "يقول: فهم لا يصدقون رسل الله ولا يقرّون بوحيه وتنزيله.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

فاخبر الله تعالى في هذه الآية أن شر خصلة يكون الإنسان عليها هو الكفر لما في ذلك من تضييع نعم الله التي توجب أعظم العقاب. والآية متناولة لمن علم الله منه أنه لا يؤمن، لأن قوله "فهم لا يؤمنون "إخبار عن نفي إيمانهم فيما بعد.

لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :

{عِنْد اللهِ}: في سابق علمه وصادق حكمه؛ فإذا كانوا في عِلْمهِ شَرَّ الخلائق فكيف يسعدون باختلاف السعايات وصنوف الطوارق؟ هيهات أن تتبدل الحقائق!. وإذا قال: {فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} -وكلامه صِدقٌ وقولُه حقٌّ- فلم يبقَ للرجاء فيهم مساغ، ولا ينجع فيهم نُصْحٌ وإبلاغ...

تفسير القرآن للسمعاني 489 هـ :

سماهم الله تعالى دواب وأنعاما؛ لقلة انتفاعهم بعقولهم وألبابهم وأسماعهم وأبصارهم.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

اعلم أنه تعالى لما وصف كل الكفار بقوله: {وكل كانوا ظالمين} أفرد بعضهم بمزية في الشر والعناد. فقال: {إن شر الدواب عند الله} أي في حكمه وعلمه من حصلت له صفتان: الصفة الأولى: الكافر الذي يكون مستمرا على كفره مصرا عليه لا يتغير عنه البتة.

البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :

قال ابن عباس شرّ الناس الكفار وشرّ الكفار المصرّون منهم وشرّ المصرّين الناكثون للعهود فأخبر تعالى أنهم جامعون لأنواع الشرّ قال ابن عطية: يحتمل أن يكون {شرّ الدّواب} بثلاثة أوصاف: الكفر والموافاة عليه والمعاهدة مع النقض.

فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني 1250 هـ :

وجعلهم شرّ الدوابّ لا شرّ الناس إيماء إلى انسلاخهم عن الإنسانية..

تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :

قال تعالى: {إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون}.

أي إن شر ما يدب على وجه الأرض عند الله أي في حكمه العدل على الخلق هم الكفار الذين جمعوا مع أصل الكفر الإصرار عليه والرسوخ فيه بحيث لا يرجى إيمانهم في جملتهم أو إيمان جمهورهم لأنهم بين رؤساء حاسدين للرسول صلى الله عليه وسلم معاندين له جاحدين بآيات الله المؤيدة لرسالته على علم كما قال تعالى فيهم {يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} [البقرة:146] الآية، وبين مقلدين جامدين على التقليد لا ينظرون في الدلائل والآيات، ولا يبحثون في الحجج والبينات، حتى حملهم ذلك على نقض العهود ونكث الأيمان بحيث لا حيلة في الحياة معهم أو في جوارهم حياة سلم وأمان كما ثبت بالتجربة.

عبر عنهم بالدواب وهو اللفظ الذي غلب استعماله في البهائم ذوات الأربع أو فيما يركب منها لإفادة أنهم ليسوا من شرار البشر فقط، بل هم أضل من عجماوات الدواب، لأن فيها منافع للناس وهؤلاء لا خير فيهم ولا نفع لغيرهم منهم، فإنهم لشدة تعصبهم لجنسهم قد صاروا أعداء لسائر البشر كما قال في وصف أمثالهم {أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا} [الفرقان:44] وكما قال في الآية 22 من هذه السورة {إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون} [الأنفال: 22] وقد اقتبس أستاذنا الإمام هذا الاستعمال فقال في مقالة له من مقالات العروة الوثقى: وكثير ممن على شكل الإنسان يحيا حياته هذه بروح حيوان آخر وهو يعاني في تحصيل شهواتها أو قال كلمة أخرى قريبة منها أكثر مما يعانيه الإنسان في إبراز مزايا الإنسان.

وقال: {الذين كفروا} فعبر عنهم بفعل الكفر دون الوصف (الكافرون) للإشارة إلى أنهم كانوا مؤمنين فعرض لهم الكفر، وهذا ظاهر في جملة اليهود الذي كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم كما كفروا بمن قبله، وهم في عرف القرآن متكافلون متشابهون آخرهم في ذلك كأولهم، وهو أظهر في يهود المدينة الذين كانوا في عصر الرسالة المحمدية فإنهم كانوا يعلمون أن الله سيبعث النبي الكامل الذي بشر به موسى في التوراة كما تقدم مفصلا في تفسير سورة الأعراف ومجملا في سورة البقرة وغيرها. وكانوا يعلمون أنه يبعث من العرب، لأن من نصوص التوراة الموجودة إلى الآن أنه تعالى يبعث لهم نبيا مثل موسى بين بني إخوتهم أي بني إسماعيل، وكانوا يطمعون في أن يكون هذا النبي منهم، ويرون أنه يكفي في صحة خبر التوراة ظهوره بين العرب وإن لم يكن منهم، لأن النبوة بزعمهم محتكرة محتجنة لبني إسرائيل، على ما اعتادوا من التحريف والتأويل.

وقال: {فهم لا يؤمنون} لأن كلمة « كفروا» لا تقتضي الثبات على الكفر دائما فعطف عليها الإخبار بأن كفرهم دائم لا يرجعون عنه في جملتهم، حتى ييأس الرسول والمؤمنون مما كانوا يرجون من إيمانهم، وهذا لا ينافي وقوع الإيمان من بعضهم وقد وقع، وهذا الخبر من أنباء الغيب.

تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :

هؤلاء الذين جمعوا هذه الخصال الثلاث: الكفر، وعدم الإيمان، والخيانة، بحيث لا يثبتون على عهد عاهدوه ولا قول قالوه، هم شر الدواب عند الله فهم شر من الحمير والكلاب وغيرها، لأن الخير معدوم منهم، والشر متوقع فيهم، فإذهاب هؤلاء ومحقهم هو المتعين، لئلا يسري داؤهم لغيرهم...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

وإنّما وصَفَهم ب {شر الدواب} لأنّ دعوة الإسلام أظهر من دعوة الأديان السابقة، ومعجزةَ الرسول صلى الله عليه وسلم أسطع، ولأنّ الدلالة على أحَقّية الإسلام دلالة عقلية بيّنة، فمَن يجحده فهو أشبَه بما لا عقلَ له، وقد اندرج الفريقان من الكفّار في جنس {شر الدواب}.

تفسير الشعراوي 1419 هـ :

والحق سبحانه وتعالى يريد أن يخبرنا أن الدابة المحكومة بالغريزة خير من الكافر؛ لأن الدابة تؤدي مهمتها في الحياة تماما، بينما لا يؤدي الكافر مهمته في الأرض، بل يفسد فيها ويسفك الدماء، وبذلك يكون شرا من الدابة.

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

مواجهة من ينقض العهد بشدّة! في هذه الآيات المباركة إشارة إِلى طائفة أُخرى من أعداء الإِسلام الذين وجهوا ضربات مؤلمة للمسلمين في حياة النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المليئة بالأحداث، إلاّ أنّهم ذاقوا جزاء ما اقترفوه مُرّاً وكانت عاقبة أمرهم خُسراً. وهؤلاء هم يهود المدينة الذين عاهدوا النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عدّة مرات. وهذه الآيات تبيّن الأسلوب الشديد الذي ينبغي أن يتخذه النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بحقّهم، الأُسلوب الذي فيه عبرة للآخرين، كما فيه درءٌ لخطر هذه الطائفة.