المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{مَّلۡعُونِينَۖ أَيۡنَمَا ثُقِفُوٓاْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقۡتِيلٗا} (61)

وقوله تعالى : { ملعونين } يجوز أن ينتصب على الذم قاله الطبري ، ويجوز أن يكون بدلاً من أقلاء الذي قدرناه قبل في أحد التأويلات{[9580]} ، ويجوز أن يكون حالاً من الضمير في { يجاورونك } كأنه قال ينتفون ملعونين ، فلما تقدر { لا يجاورونك } تقدير ينتفون ، حسن هذا ]{[9581]} ، واللعنة الإبعاد ، و { ثقفوا } معناه حصروا وقدر عليهم ، و { أخذوا } معناه أسروا ، والأخيذ الأسير ومنه قول العرب " أكذب من الأخيذ الصبحان " {[9582]} ، وقرأ جمهور الناس «وقتّلوا » بشد التاء ، ويؤيد هذا المصدر بعدها ، وقرأت فرقة بتخفيف التاء والمصدر على هذه القراءة على غير قياس ، قال الأعمش كل ما في القرآن غير هذا الموضع فهو «قتلوا » بالتخفيف{[9583]} .


[9580]:قال أبو حيان في البحر:"وتجويز ابن عطية أن يكون بدلا، فالبدل بالمشتق قليل".
[9581]:العبارة بين العلامتين وردت هكذا في الأصول، وأثبت في البحر محرفة، والظاهر أن الصواب فيها أن يقال:(فلما تقرر في {لا يجاورونك} تقدير"ينتفون"-حسن هذا)، أي كون[ملعونين] حالا من الضمير في [يجاورونك].
[9582]:الأخيذ: المأخوذ، أي: الأسير الذي أسر بعد أن شرب لبن الصباح، وأصل المثل أن رجلا خرج من حيه وقد اصطبح، فلقيه جيش يريدون قومه، فأخذوه وسألوه عن الحي، فقال: إنما بت في القفر ولا عهد لي بقومي، فبينما هم يتنازعون إذ غلبه البول فبال، فعلموا أنه قد اصطبح ولولا ذلك لم يبل، فطعنه واحد منهم فيبطنه فبدره اللبن، فمضوا غير بعيد فعثروا على الحي، وقال الفراء في مصادره:"أكذب من الأخيذ الصبحان" يعني الفصيل، يقال: أخذ يأخذ أخذا، إذا أكثر شرب اللبن، بأن يتفلت على أمه فيمتك لبنها فيأخذه، أي: يتخم منه، وكذبه أن التخمة تكسبه جوعا كاذبا، فهو لذلك يحرص على اللبن ثانيا.
[9583]:من ذلك قوله تعالى في الآية(169) من سورة(الأعراف):{ ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أموتا}، وقوله في الآية(195) من نفس السورة:{وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم}، وقوله في الآية(58) من سورة الحج:{ والذين هاجروا في سبيل الله ثم قتلوا او ماتوا ليرزقنهم الله}، وقوله في الآية(4) من سورة (محمد):{والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم}.