البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{مَّلۡعُونِينَۖ أَيۡنَمَا ثُقِفُوٓاْ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقۡتِيلٗا} (61)

وانتصب { ملعونين } على الذم ، قاله الطبري ؛ وأجاز ابن عطية أن يكون بدلاً من { قليلاً } ، قال : هو من إقلاء الذي قدرناه ؛ وأجاز هو أيضاً أن يكون حالاً من الضمير في { يجاورونك } ، قال : كأنه قال : ينتفون من المدينة معلونين ، فلا يقدر { لا يجاورونك } ، فقدر ينتفون حسن هذا . انتهى .

وقال الزمخشري ، والحوفي ، وتبعهما أبو البقاء : يجوز أن يكون حالاً من الضمير في { لا يجاورونك } ، كما قال ابن عطية .

قال الزمخشري : وهذا نصه ملعونين ، نصب على الشتم أو الحال ، أي لا يجاورونك ، إلا ملعونين .

دخل حرف الاستثناء على الظرف والحال معاً ، كما مر في قول : { إلا أن يؤذن لكم إلى طعام غير ناظرين إناه } ، ولا يصح أن ينتصب من أخذوا ، لأن ما بعد كلمة الشرط لا يعمل فيما قبلها . انتهى .

وتقدم الكلام معه في مجيء الحال مما قبل إلا مذكورة بعد ما استثنى بإلا ، فيكون الاستثناء منصباً عليهما ، وأن جمهور البصريين منعوا من ذلك .

وأما تجويز ابن عطية أن يكون بدلاً ، فالبدل بالمشتق قليل .

وأما قول الزمخشري : لأن ما بعد كلمة الشرط لا يعمل فيما قبلها ، فليس هذا مجمعاً عليه ، لأن ما بعد كلمة الشرط شيئان : فعل الشرط والجواب .

فأما فعل الشرط ، فأجاز الكسائي تقديم معموله على الكلمة ، أجاز زيد أن يضرب اضربه ، وأما الجواب فقد أجاز أيضاً تقديم معموله عليه نحو : إن يقم زيد عمراً يضرب .

وقد حكي عن بعض النحويين أنه قال : المعنى : { أينما ثقفوا } : أخذوا ملعونين ، والصحيح أن ملعونين صفة لقليل ، أي إلا قليلين ملعونين ، ويكون قليلاً مستثنى من الواو في لا يجاورونك ، والجملة الشرطية صفة أيضاً ، أي مقهورين مغلوباً عليهم .

ومعنى { ثقفوا } : حصروا وظفر بهم ، ومعنى { أخذوا } : أسروا ، والأخيذ : الأسير .

وقرأ الجمهور : { قتلوا } ، بتشديد التاء ؛ وفرقة : بتخفيفها ، فيكون { تقتيلاً } مصدراً على غير قياس المصدر .

والظاهر أن المنافقين انتهوا عما كانوا يؤذون به الرسول والمؤمنين ، وتستر جميعهم ، وكفوا خوفاً من أن يقع بهم ما وقع القسم عليه ، وهو الإغراء والجلاء والأخذ والقتل .

وقيل : لم يمتثلوا للانتهاء جملة ، ولا نفذ عليهم الوعيد كاملاً .

ألا ترى إلى إخراجهم من المسجد ، ونهيه عن الصلاة عليهم ، وما نزل فيهم في سورة براءة ؟ وأبعد من ذهب إلى أنه لم ينته هؤلاء الأصناف ، ولم ينفذ الله الوعيد عليهم ، ففيه دليل على بطلان القول بإنفاذ الوعيد في الآخرة ، ويكون هذا الوعيد مفروضاً ومشروطاً بالمشيئة .