المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ وَكِيلٞ} (62)

وقوله تعالى : { الله خالق كل شيء } كلام مستأنف دال على الوحدانية ، وهو عموم معناه الخصوص . والوكيل : القائم على الأمر ، الزعيم بإكماله وتتميمه . والمقاليد : المفاتيح ، وقال ابن عباس ، واحدها مقلاد ، مثل مفتاح ، وفي كتاب الزهراوي : واحد المقاليد : إقليد ، وهذه استعارة كما تقول بيدك يا فلان مفتاح هذا الأمر ، إذا كان قديراً على السعي فيه . وقال السدي : المقاليد الخزائن ، وهذه عبارة غير جيدة ، ويشبه أن يقول قائل : المقاليد إشارة إلى الخزائن أو دالة عليها فيسوغ هذا القول ، كما أن الخزائن أيضاً في جهة الله إنما تجيء استعارة ، بمعنى اتساع قدرته ، وأنه يبتدع ويخترع ، ويشبه أن يقال فيما قد أوجد من المخلوقات كالريح والماء وغير ذلك إنها في خزائنه ، وهذا كله بتجوز على جهة التقريب والتفهيم للسامعين ، وقد ورد القرآن بذكر الخزائن{[9926]} ، ووقعت في الحديث الصحيح في قوله عليه السلام : «وما فتح الليلة من الخزائن »{[9927]} والحقيقة في هذا غير بعيدة ، لكنه ليس باختزان حاجة ولا قلة قدرة كما هو اختزان البشر .


[9926]:جاء ذلك في آيات كثيرة: منها قوله تعالى:{قل لا أقول لكم عندي خزائن الله}، وقوله{أم عندهم خزائن رحمة ربك}، وقوله:{ولله خزائن السموات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون}.
[9927]:هذا الحديث أخرجه البخاري في أبواب العلم، والتهجد، والمناقب، واللباس، والأدب، والفتن، وأخرجه الترمذي، وأحمد في مسنده(6-297)، ولفظه كما جاء في مسنده، عن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة وهو يقول:(لا إله إلا الله، ما فتح الليلة من الخزائن،لا إله إلا الله ما أنزل الليلة من الفتنة، من يوقظ صواحب الحجر، يا رب كاسيات في الدنيا عاريات في الآخرة).