مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ وَكِيلٞ} (62)

قوله تعالى : { الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل * له مقاليد السماوات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون * قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون * ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله فاعبد وكن من الشاكرين . }

واعلم أنه لما أطال الكلام في شرح الوعد والوعيد عاد إلى دلائل الإلهية والتوحيد ، وفي الآية مسائل :

المسألة الأولى : قد ذكرنا في سورة الأنعام أن أصحابنا تمسكوا بقوله تعالى : { خالق كل شيء } على أن أعمال العباد مخلوقة لله تعالى ، وأطنبنا هناك في الأسئلة والأجوبة ، فلا فائدة هاهنا في الإعادة ، إلا أن الكعبي ذكر هاهنا كلمات فنذكرها ونجيب عنها ، فقال إن الله تعالى مدح نفسه بقوله { الله خالق كل شيء } وليس من المدح أن يخلق الكفر والقبائح فلا يصح أن يحتج المخالف به ، وأيضا فلم يكن في صدر هذه الأمة خلاف في أعمال العباد ، بل كان الخلاف بينهم وبين المجوس والزنادقة في خلق الأمراض والسباع والهوام ، فأراد الله تعالى أن يبين أنها جمع من خلقه ، وأيضا لفظة { كل } قد لا توجب العموم لقوله تعالى : { وأوتيت من كل شيء } { تدمر كل شيء } وأيضا لو كانت أعمال العباد من خلق الله لما ضافها إليهم بقوله { كفارا حسدا من عند أنفسهم } ولما صح قوله { ويقولون هو من عند الله وما هو من عند الله } ولما صح قوله { وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا } فهذا جملة ما ذكره الكعبي في تفسيره ، وقال الجبائي : الله خالق كل شيء سوى أفعال خلقه التي صح فيها الأمر والنهي واستحقوا بها الثواب والعقاب ، ولو كانت أفعالهم خلقا لله تعالى ما جاز ذلك فيه كما لا يجوز مثله في ألوانهم وصورهم ، وقال أبو مسلم : الخلق هو التقدير لا الإيجاد ، فإذا أخبر الله عن عباده أنهم يفعلون الفعل الفلاني فقد قدر ذلك الفعل ، فيصح أن يقال إنه تعالى خلقه وإن لم يكن موجدا له .

واعلم أن الجواب عن هذه الوجوه قد ذكرناه بالاستقصاء في سورة الأنعام ، فمن أراد الوقوف عليه فليطالع هذا الموضوع من هذا الكتاب ، والله أعلم .

أما قوله تعالى : { وهو على كل شيء وكيل } فالمعنى أن الأشياء كلها موكولة إليه فهو القائم بحفظها وتدبيرها من غير منازع ولا مشارك ، وهذا أيضا يدل على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى ، لأن فعل العبد لو وقع بتخليق العبد لكان ذلك الفعل غير موكول إلى الله تعالى ، فلم يكن الله تعالى وكيلا عليه ، وذلك ينافي عموم الآية .