تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ وَكِيلٞ} (62)

الآية 62 وقوله تعالى : { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } هذه الآية تنقُض على المعتزلة قولهم في{[18051]} وجوه :

أحدها : أن قولهم : إن شيئيّة الأشياء لم تزل كائنة ، ويقولون : إنه لم يكن من الله إلا إيجادها . فإذا كان ما ذكروا لم يكن هو خالق شيء به فضلا عن أن يكون خالق كل شيء على ما ذكر ، ووصف نفسه بخلق كل شيء ، فيكون قولهم في التحقيق والتحصيل قول الدّهرية والثّنوية ، لأن الدّهرية يقولون بقدم الطينة والهَيُولَى ونحوه ، وينكرون كون الشيء من لا شيء ، وكذلك الثّنوية يقولون بقدم النور والظلمة ، ثم كون كل جنس من جنسه وكون كل شيء من أصله .

فعلى ذلك قوله المعتزلة ، إن المعدوم شيء يرجع في التحقيق إلى ما ذكرنا من أقاويلها .

ثم قوله : { الله خالق كل شيء } يخرّج على ما ذكر [ من ]{[18052]} الربوبية والألوهية والوصف له [ مُخرَج المدح ]{[18053]} لما ذكرنا أن إضافة كلية الأشياء إلى الله عز وجل { خالق كل شيء } مخصوصا شيئا دون شيء على ما يقوله المعتزلة لم يخرّج مخرج المدح له والتعظيم . ثم إنه لا شك أنه لو لم يكن خالق أفعال الخلق لم يكن خالقا من عشرة ألف شيء . فدل أنه خالق الأشياء كلها : الأفعال والأجسام والجواهر جميعا .

فإن قيل : إنكم لا تقولون : خالق الأنجاس والأقدار والخنازير ، ونحوه ، فإنما يرجع قوله عز وجل : { الله خالق كل شيء } إلى خصوص . قيل : إنه لا يقال ، ولا يوصف بخلق هذه الأشياء على التقييد والتخصيص : يا خالق الأنجاس والأقدار وما ذُكر لأنه يخرّج الوصف له بذلك مخرج التهجين والذّمّ . وكان في الجملة يوصف بذلك ، وتدخل الأشياء كلها في ذلك لما ذكرنا أن قوله عز وجل : { خالق كل شيء } يخرّج مخرج الامتداح والتعظيم له والوصف بالربوبية له والألوهية .

ألا ترى أنه لا يقال على التخصيص : إنه وكيل ، وإن كان في الجملة يقال كما ذكرنا { وهو على كل شيء وكيل } ؟ لأنه في الجملة يخرّج مُخرَج الربوبية له والألوهيّة والوصف له بالمدح وعلى التخصيص والإفراد وعلى التهجين والذّم . لذلك افترقا ، والله أعلم .


[18051]:في الأصل وم: على.
[18052]:ساقطة من الأصل وم.
[18053]:في الأصل وم: بالمدح.