اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{ٱللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ وَكِيلٞ} (62)

قوله تعالى : { الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ . . . } الآية تقدم الكلام على هذه الآية في الأنعام وأنها تدل على أن أعمال العباد مخلوقة لله تعالى ، وقال الكعبي هنا : إن الله تعالى مدح نفسه بقوله : { الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ } وليس من المدح أن يخلق الكفر والقبائح فلا يصح احتجاج المخالف به ، وأيضاً فلفظة «كل » قد لا توجب العموم لقوله تعالى : { وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ } [ النمل : 23 ] يريد كل شيء يحتاج الملك إليه وأيضاً لو كانت أعمال العباد من خلق الله لما أضافها إليهم بقوله : { كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ } [ البقرة : 109 ] ولما صح قوله تعالى : { وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللًّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِندِ الله } [ آل عمران : 78 ] . وقال الجبائي الله{[47648]} خالق كل شيء سوى أفعال خلقه التي صح فيها الأمر والنهي ، واستحقوا بها الثواب والعقاب ولو كانت أفعالهم خلقا لله لما جاز ذلك فيها كما لا يجوز في ألوانهم وصورهم ، وقال أبو مسلم : الخلق هو التقدير لا الإيجاد ، فإذا أخبر الله أنهم يفعلون الفعل الفلاني فقد قدر ذلك الفعل فصح أن يقال : إنه تعالى خلقه وإن لم يكن موجدا له ، والجواب عن هذه الوجوه تقدم في سورة الأنعام ، وأما قوله : { وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } أي الأشياء كلها موكولة إليه فهو القائم بحفظها وتدبيرها من غير مشارك ، وهذا أيضاً يدل على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى لأن فعل العبد لو وقع بخلق العبد لكان ذلك الفعل غير موكول إلى الله تعالى فلم يكن الله وكيلاً عليه وذلك ينافي عموم الآية{[47649]} .


[47648]:في ب أنه بدل من الله.
[47649]:وانظر كل هذا في تفسير الإمام الرازي 27/11.