المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ} (16)

وقوله تعالى : { لا يصلاها إلا الأشقى } أي { لا يصلاها } صلي خلود ، ومن هنا ضلت المرجئة لأنها أخذت نفي الصلي مطلقاً في قليله وكثيره ، و { الأشقى } هنا ، الكافر بدليل قوله الذي كذب ، والعرب تجعل أفعل في موضع فاعل مبالغة كما قال طرفة : [ الطويل ]

تمنى رجال أن أموت وإن أمت *** فتلك سبيل لست فيها بأوحد{[11864]}


[11864]:لم أجد هذا البيت في شعر طرفة، وقد استشهد به أبو عبيدة في مجاز القرآن، وكذلك استشهد به الطبري، وقد أورد في أمالي القالي ضمن ثلاثة أبيات كتب بها يزيد بن عبد الملك إلى أخيه هشام، وكان الخليفة بعده، وهي: تمنى رجال أن أموت وإن أمت فتلك سبيل لست فيها بأوحد فما عيش من يرجو رداي بضائري وما عيش من يرجو رداي بمخلد فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى تجهز لأخرى مثلها فكأن قد قيل: فكتب إليه هشام: ومن لا يغمض عينه عن صديقه وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب ومن يتتبع جاهدا كل عثرة يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب فكتب إليه يزيد بأبيات لمعن بن أوس يقول أولها: لعمرك ما أدري وإني لأوجل على أينا تعدو والمنية أول وقيل: إن الذي كتب بالأبيات الثلاثة هو الوليد إلى أخيه سليمان –جاء ذلك في مروج الذهب للمسعودي- ومعنى "يبغي خلاف الذي مضى": يبغي أن يخلف غيره على ميراثه. وقد حقق الأستاذ عبد العزيز الميمني البيت الذي يدور حوله الحديث عند شرحه لذيل الأمالي، ووصل إلى أن البيت لمالك بن القين الأنصاري. والمؤلف هنا يستشهد بالبيت على أن (أوحد) جاءت بمعنى (واحد)، وهذا كما في قوله تعالى: {وهو أهون عليه} فإن (أهون) جاءت بمعنى (هين)، والصيغة هنا لمجرد الوصف ولا تعطي معنى التفضيل، وقد ناقش البغدادي في خزانة الأدب هذه الصيغة وقال: إن هذا الشاهد وما يماثله يمكن أن يعطي معنى التفضيل لا مجرد الوصف.