فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{ٱلَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ} (16)

ثم وصف الأشقى فقال : { الذي كَذَّبَ وتولى } أي كذب بالحق الذي جاءت به الرسل ، وأعرض عن الطاعة والإيمان . قال الفراء : { إِلاَّ الأشقى } إلاَّ من كان شقياً في علم الله جلّ ثناؤه . قال أيضاً : لم يكن كذب بردّ ظاهر ، ولكن قصر عما أمر به من الطاعة فجعل تكذيباً ، كما تقول لقي فلان العدوّ فكذّب : إذا نكل ورجع عن اتباعه . قال الزجاج : هذه الآية هي التي من أجلها قال أهل الإرجاء بالإرجاء ، فزعموا أنه لا يدخل النار إلاّ كافر ، ولأهل النار منازل ، فمنها أن المنافقين في الدرك الأسفل من النار . والله سبحانه كلّ ما وعد عليه بجنس من العذاب ، فجدير أن يعذب به ، وقد قال : { إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } [ النساء : 48 ] فلو كان كلّ من لم يشرك لم يعذب لم يكن في قوله : { وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء } فائدة . وقال في الكشاف : الآية واردة في الموازنة بين حالتي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين ، فأريد أن يبالغ في صفتيهما المتناقضتين . فقيل : الأشقى ، وجعل مختصاً بالصلي كأن النار لم تخلق إلاّ له . وقيل : الأتقى ، وجعل مختصاً بالنجاة كأن الجنة لم تخلق إلاّ له ، وقيل : المراد بالأشقى أبو جهل ، أو أمية بن خلف ، وبالأتقى : أبو بكر الصدّيق .

/خ21