المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{أَلَمۡ نَشۡرَحۡ لَكَ صَدۡرَكَ} (1)

مقدمة السورة:

وهي مكية بإجماع من المفسرين لا خلاف بينهم في ذلك .

عدد الله على نبيه صلى الله عليه وسلم نعمه عليه في أن شرح صدره للنبوة وهيأه لها ، وذهب الجمهور إلى شرح الصدر المذكور هو تنويره بالحكمة وتوسيعه لتلقي ما يوحي إليه ، وقال ابن عباس وجماعة : هذه إشارة إلى شرحه بشق جبريل عنه في وقت صغره ، وفي وقت الإسراء إذ التشريح شق اللحم ، وقرأ أبو جعفر المنصور «ألم نشرحَ » بنصب الحاء على نحو قول الشاعر [ طرفة ] : [ المنسرح ]

أضرب عنك الهموم طارقها . . . ضربك بالسيف قونس الفرس{[11880]}

ومثله في نوادر أبي زيد : [ الرجز ]

من أي يومي من الموت أفر . . . أيوم لم يقدر أم يوم قدر{[11881]}

كأنه قال : «ألم نشرحن » ثم أبدل من النون ألفاً ثم حذفها تخفيفاً ، وهي قراءة مردودة{[11882]} .


[11880]:هذا البيت ورد في نوادر أبي زيد كالذي بعده، وهو أيضا في اللسان، والمحتسب، والبحر المحيط، وقيل: هو من شعر طرفة، وقيل: هو مصنوع عليه، والطارق: الذي يأتي ليلا، وقونس الفرس: ما بين أذنيه، والشاهد أنه أراد: اضربن، بنون التوكيد الخفيفة، فحذفها للضرورة، وهذا من الشاذ الذي لا يقاس عليه، لأن نون التوكيد الخفيفة لا تحذف إلا إذا لقيها ساكن.
[11881]:هذا الرجز للحارث بن منذر، وهو في "سر الصناعة" و "مغني اللبيب" والبحر المحيط، وقيل: أراد: لم يقدرن، بنون التوكيد الخفيفة، ثم حذفها للضرورة، قال أبو الفتح ابن جني، وهذا عندنا غير جائز.
[11882]:سبب ذلك أن هذه النون للتوكيد، والتوكيد أشبه شيء به الإسهاب والإطناب، مما يقتضي عدم الحذف. وقد عزا الزمخشري هذه القراءة إلى أبي جعفر المنصور، وقال عنها: "لعله بين الحاء وأشبعها في مخرجها، فظن السامع أنه فتحها"، وقد نقل أبو حيان الأندلسي في البحر المحيط كلام ابن عطية، وكلام الزمخشري، ثم قال: "ولهذه القراءة تخريج أحسن من هذا كله، وهو أنه لغة لبعض العرب حكاها اللحياني في نوادره، وهي الجزم ب"لن". والنصب ب"لم" على عكس المعروف عند الناس، وأنشد قول عائشة بنت الأعجم تمدح المختار بن أبي عبيد، وهو القائم بثأر الحسين بن علي رضي الله عنهما: قد كان سمك الهدى ينهد قائمه حتى أتيح له المختار فانعمدا في كل ما هم أمضى رأيه قدما ولم يشاور في إقدامه أحدا بنصب "يشاور" وهذا محتمل للتخريجين، وهو أحسن مما تقدن". 1 هـ كلام أبي حيان.