المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَىٰ} (3)

وقرأ جمهور الناس «ودّعك » بشد الدال من التوديع ، وقرأ عروة بن الزبير وابنه هشام «ودَعك » بتخفيف الدال من التوديع ، وقرأ عروة بن الزبير وأبنه هشام «ودَعك » بتخفيف الدال بمعنى ترك ، و { قلى } معناه : أبغض . واختلف في سبب هذه الآية فقال ابن عباس وغيره : أبطأ الوحي مرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بمكة مدة اختلفت في حدها الروايات حتى شق ذلك عليه فجاءت امرأة من الكفار هي أم جميل امرأة أبي لهب ، فقالت يا محمد : ما أرى شيطانك إلا قد تركك ، فنزلت الآية بسبب ذلك{[11869]} . وقال ابن وهب عن رجال عن عروة بن الزبير أن خديجة قالت له : ما أرى الله إلا قد خلاك لإفراط جزعك لبطء الوحي عنك ، فنزل الآية بسبب ذلك{[11870]} ، وقال زيد بن أسلم : إنما احتبس عنه جبريل لجرو كلب كان في بيته{[11871]}


[11869]:رواه البخاري، ومسلم، وأحمد، والطبري، وأورده السيوطي في الدر المنثور، وزاد نسبته إلى عبد بن حميد الترمذي، والنسائي، والبيهقي وأبي نعيم معا في "الدلائل" وذكره الواحدي في أسباب النزول ،عن جندب بن عبد الله بن سفيان البجلي رضي الله عنه، ولفظه كما ذكره السيوطي: (اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلتين أو ثلاثا، فأتته امرأة فقالت: يا محمد، ما رأى شيطانك إلا قد تركك، لم تره قربك ليلتين أو ثلاثا، فأنزل الله (والضحى والليل إذا سجى، ما ودعك ربك وما قلى).
[11870]:ذكره الواحدي في "أسباب النزول" بسنده، عن هشام بن عروة عن أبيه، وأخرجه ابن جرير وابن المنذر، والحاكم، وابن مردويه، والبيهقي في الدلائل كذلك عن عروة وأخرج مثله ابن جرير عن عبد الله بن شداد. ذكر ذلك السيوطي في الدر المنثور.
[11871]:ذكر ذلك الواحدي في خبر طويل في كتابه "أسباب النزول" عن حفص بن سعيد القرشي، عن أمه، عن أمها خولة، وكانت خادمة رسول الله صلى الله عليه وسلم.