المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية  
{وَمَا يُغۡنِي عَنۡهُ مَالُهُۥٓ إِذَا تَرَدَّىٰٓ} (11)

ثم وقف تعالى على موضع غناء ماله عنه وقت ترديه ، وهذا يدل على أن الإعطاء والبخل المذكورين إنما هما ماله عنه وقت ترديه ، واختلف الناس في معنى { تردى } : فقال قتادة وأبو صالح معناه { تردى } في جهنم ، أي سقط من حافاتها ، وقال مجاهد : { تردى } معناه هلك من الردى ، وقال قوم معناه { تردى } بأكفانه من الرداء ، ومنه قول مالك بن الربيب : [ الطويل ]

وخطّا بأطراف الأسنّة مضجعي . . . وردّا على عينيّ فضل ردائيا{[11861]}

ومنه قول الآخر : [ الطويل ]

نصيبك مما تجمع الدهر كله . . . رداءان تلوى فيهما وحنوط{[11862]}


[11861]:هذا البيت من قصيدة قالها مالك بن الريب التميمي حين حضرته الوفاة وهو غريب، وفيها يخاطب صاحبه، ويقول: فيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزلا برابية إني مقيم لياليا والأسنة: جمع سنان، وهو طرف الرمح، والمراد بالمضجع هنا القبر، والرداء: ما يرتديه الإنسان، يطالب صاحبيه بأن يحفرا قبره بأطراف رماحهما، وأن يغطياه بالثوب بعد الموت.
[11862]:الرداء: الذي يلبس، وتثنيته رداءان، وتلوى فيهما: تلف فيهما، والحنوط: طيب يخلط للميت خاصة، وهو مشتق من قولهم، حنط الرمث وأحنط: إبيض واستوى وصارت له رائحة طيبة، يقول: إنك مهما جمعت من الدنيا فلن تأخذ منها إلا ثوبين تلف فيهما، وبعض الطيب الذي يوضع عليك بعد موتك.