معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَمَا ذَرَأَ لَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُخۡتَلِفًا أَلۡوَٰنُهُۥٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَذَّكَّرُونَ} (13)

قوله تعالى : { وما ذرأ } ، وما خلق ، { لكم } ، لأجلكم ، أي : وسخر ما خلق لأجلكم ، { في الأرض } ، من الدواب والأشجار والثمار وغيرها ، { مختلفاً } ، نصب على الحال ، { ألوانه } . { إن في ذلك لآية لقوم يذكرون } ، يعتبرون .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَمَا ذَرَأَ لَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُخۡتَلِفًا أَلۡوَٰنُهُۥٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَذَّكَّرُونَ} (13)

{ ذرأ } معناه بث ونشر ، والذرية من هذا في أحد الأقوال في اشتقاقها ، وقوله { ألوانه } معناه أصنافه ، كما تقول هذه ألوان من التمر ومن الطعام ، ومن حيث كانت هذه المبثوثات في الأرض أصنافاً فأعدت في النعمة وظهر الانتفاع بها أنه على وجوه ، ولا يظهر ذلك من حيث هي متلونة حمرة وصفرة وغير ذلك ، ويحتمل أن يكون التنبيه على اختلاف الألوان حمرة وصفرة والأول أبين .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَمَا ذَرَأَ لَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُخۡتَلِفًا أَلۡوَٰنُهُۥٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَذَّكَّرُونَ} (13)

عطف على { الليل والنهار } [ سورة النحل : 12 ] ، أي وسخّر لكم ما ذرأ لكم في الأرض . وهو دليل على دقيق الصّنع والحكمة لقوله تعالى : { مختلفاً ألوانه إن في ذلك لآية لقوم يذكرون } . وأومىء إلى ما فيه من منّة بقوله { لكم } .

والذرء : الخلق بالتناسل والتوّلد بالحمل والتفريخ ، فليس الإنبات ذرءاً ، وهو شامل للأنعام والكراع ( وقد مضت المنّة به ) ولغيرها مثل كلاب الصيد والحراسة ، وجوارح الصيد ، والطيور ، والوحوش المأكولة ، ومن الشجر والنبات .

وزيد هنا وصف اختلاف ألوانه وهو زيادة للتعجيب ولا دخل له في الامتنان ، فهو كقوله تعالى : { تسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل } في سورة الرعد ( 4 ) ، وقوله تعالى : { ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه } في سورة فاطر ( 27 ) . وبذلك صار هذا آية مستقلة فلذلك ذيّله بجملة { إن في ذلك لآية لقوم يذكرون } ، ولكون محل الاستدلال هو اختلاف الألوان مع اتّحاد أصل الذرء أفردت الآية في قوله تعالى : { إن في ذلك لآية } .

والألوان : جمع لون . وهو كيفية لسطوح الأجسام مدركة بالبصر تنشأ من امتزاج بعض العناصر بالسطح بأصل الخلقة أو بصبغها بعنصر ذي لون معروف . وتنشأ من اختلاط عنصرين فأكثر ألوانٌ غير متناهية . وقد تقدم عند قوله تعالى : { قالوا ادع لنا ربك يبيّن لنا ما لونها } في سورة البقرة ( 69 ) .

ونيط الاستدلال باختلاف الألوان بوصف التذكّر لأنه استدلال يحصل بمجرّد تذكّر الألوان المختلفة إذ هي مشهورة .

وإقحام لفظ ( قوم ) وكون الجملة تذييلاً تقدم آنفاً .

وأبدى الفخر في « درة التنزيل » وجهاً لاختلاف الأوصاف في قوله تعالى : { لقوم يتفكرون } [ سورة النحل : 11 ] وقوله : { لقوم يعقلون } [ سورة النحل : 12 ] وقوله : { لقوم يذكرون } : بأن ذلك لمراعاة اختلاف شدّة الحاجة إلى قوة التأمل بدلالة المخلوقات الناجمة عن الأرض يحتاج إلى التفكر ، وهو إعمال النظر المؤدي إلى العلم . ودلالة ما ذرأه في الأرض من الحيوان محتاجة إلى مزيد تأمّل في التفكير للاستدلال على اختلاف أحوالها وتناسلها وفوائدها ، فكانت بحاجة إلى التذكّر ، وهو التفكّر مع تذكّر أجناسها واختلاف خصائصها . وأما دلالة تسخير الليل والنهار والعوالم العلوية فلأنها أدقّ وأحوج إلى التعمّق . عبر عن المستدلّين عليها بأنهم يعقلون ، والتعقّل هو أعلى أحوال الاستدلال ا هـ .