إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَمَا ذَرَأَ لَكُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ مُخۡتَلِفًا أَلۡوَٰنُهُۥٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّقَوۡمٖ يَذَّكَّرُونَ} (13)

{ وَمَا ذَرَأَ } عطفٌ على قوله تعالى : { والنجوم } رفعاً ونصباً على أنه مفعولٌ لجعل أي وما خلق { لَكُمْ في الأرض } من حيوان ونبات حالِ كونه { مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ } أي أصنافُه ، فإن اختلافها غالباً يكون باختلاف اللون مسخرٌ لله تعالى أو لما خُلق له من الخواصّ والأحوال والكيفياتِ ، أو جُعل ذلك مختلفَ الألوان أي الأصنافِ لتتمتعوا من ذلك بأي صنف شئتم ، وقد عُطف على ما قبله من المنصوبات ، وعُقِّب بأن ذكرَ الخلق لهم مغنٍ عن ذكر التسخير ، واعتُذر بأن الأولَ يستلزم الثانيَ لزوماً عقلياً لجواز كونِ ما خُلق لهم عزيزَ المرام صعبَ المنال ، وقيل : هو منصوبٌ بفعل مقدر أي خلق وأنبت على أن قوله : ( مختلفاً ألوانه ) حالٌ من مفعوله { إِنَّ في ذَلِكَ } الذي ذكر من التسخيرات ونحوها { لآيَةً } بينةَ الدِلالةِ على أن مَنْ هذا شأنُه واحد لا نِدَّ له ولا ضِدّ { لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ } فإن ذلك غيرُ محتاج إلا إلى تذكرِ ما عسى يُغفَل عنه من العلوم الضرورية ، وأما ما يقال من أن اختلافها في الطباع والهيئات والمناظر ليس إلا بصنع صانعٍ حكيم ، فمدارُه ما لوّحنا به من حسبان ما ذُكر دليلاً على إثبات الصانعِ تعالى ، وقد عرفتَ حقيقةَ الحال فإن إيراد ما يدل على اتصافه سبحانه بما ذكر من صفات الكمالِ ليس بطريق الاستدلالِ عليه ، بل من حيث إن ذلك من المقدِّمات المسلَّمةِ جيء به للاستدلال به على ما يقتضيه ضرورةُ وحدانيته تعالى واستحالةُ أن يشاركَه شيء في الألوهية .