وقوله عز وجل : { تبصرة وذكرى } منصوب على المصدر بفعل مضمر . و : «المنيب » الراجع إلى الحق عن فكرة ونظر . قال قتادة : هو المقبل بقلبه إلى الله وخص هذه الصنيفة بالذكر تشريفاً من حيث هي المنتفعة بالتبصرة والذكرى ، وإلا فهذه المخلوقات هي تبصرة وذكرى لكل بشر . وقال بعض النحويين : { تبصرة وذكرى } مفعولان من أجله ، وهذا يحتمل والأول أرجح .
مفعول لأجله للأفعال السابقة من قوله : { بنيناها وزيناها } [ ق : 6 ] وقوله : { مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها } [ ق : 7 ] الخ ، على أنه علة لها على نحو من طريقة التنازع ، أي ليكون ما ذكر من الأفعال ومعمولاتها تبصرة وذكرى ، أي جعلناه لغرضضِ أن نُبصِّر به ونُذكّر كل عبد منيب .
وحذف متعلق { تبصرة وذكرى } ليَعُم كلَّ ما يصلح أن يتبصر في شأنه بدلائل خلق الأرض وما عليها ، وأهم ذلك فيهم هو التوحيد والبعث كما هو السياق تصريحاً وتلويحاً .
وإنما كانت التبصرة والذكرى علة للأفعال المذكورة لأن التبصرة والذكرى من جملة الحِكم التي أوجد الله تلك المخلوقات لأجلها . وليس ذلك بمقتض انحصار حكمة خلقها في التبصرة والذكرى ، لأن أفعال الله تعالى لها حِكَم كثيرة عَلِمنا . بعضها وخفي علينا بعض .
والتبصرة : مصدر بصّره . وأصل مصدره التَبصير ، فحذفوا الياء التحتية من أثناء الكلمة وعوضوا عنها التاء الفوقية في أول الكلمة كما قالوا : جرّب تجربة وفَسّر تفسرة ، وذلك يقلّ في المضاعف ويكثر في المهموز نحو جَزّأ تجزئة ، ووطّأ توطئة . ويتعين في المعتل نحو : زَكّى تزكية ، وغطاه تغطية .
والتّبصير : جعل المرء مبصراً وهو هنا مجاز في إدراك النفس إدراكاً ظاهراً للأمر الذي كان خفياً عنها فكأنها لم تبصره ثم أبصرته .
والذكرى اسم مصدر ذَكَّر ، إذا جعله يَذكر ما نسيه . وأطلقت هنا على مراجعة النفس ما علمته ثم غفلت عنه .
و { عبد } بمعنى عبد الله ، أي مخلوق ، ولا يطلق إلاّ على الإنسان . وجمعه : عباد دون عبيد .
والمنيب : الراجع ، والمراد هنا الراجع إلى الحق بطاعة الله فإذا انحرف أو شغله شاغل ابتدر الرجوع إلى ما كان فيه من الاستقامة والامتثال فلا يفارقه حال الطاعة وإذا فارقه قليلاً آب إليه وأناب . وإطلاق المنيب على التائب والإنابة على التوبة من تفاريع هذا المعنى ، وتقدم عند قوله تعالى : { وخرّ راكعاً وأناب } في سورة ص ( 24 ) .
وخُص العبد المنيب بالتبصرة والذكرى وإن كان فيما ذكر من أحوال الأرض إفادة التبصرة والذكرى لكل أحد لأن العبد المنيب هو الذي ينتفع بذلك فكأنه هو المقصود من حكمة تلك الأفعال . وهذا تشريف للمؤمنين وتعريض بإهمال الكافرين التبصر والتذكر . ويحمل ( كل ) على حقيقة معناه من الإحاطة والشموال . فالمعنى : أن تلك الأفعال قصد منها التبصرة والذكرى لجميع العباد المتبعين للحق إذ لا يخلون من تبصرّ وتذكر بتلك الأفعال على تفاوت بينهم في ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.