معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَدَّبَّرُواْ ٱلۡقَوۡلَ أَمۡ جَآءَهُم مَّا لَمۡ يَأۡتِ ءَابَآءَهُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (68)

قوله تعالى : { أفلم يدبروا } أي : يتدبروا ، { القول } يعني : ما جاءهم من القول وهو القرآن ، فيعرفوا ما فيه من الدلالات على صدق محمد صلى الله عليه وسلم ، { أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين } فأنكروا ، يريد إنا قد بعثنا من قبلهم رسلاً إلى قومهم كذلك بعثنا محمداً صلى الله عليه وسلم إليهم . وقيل : ( ( أم ) ) بمعنى بل ، يعني : جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين فلذلك أنكروا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَدَّبَّرُواْ ٱلۡقَوۡلَ أَمۡ جَآءَهُم مَّا لَمۡ يَأۡتِ ءَابَآءَهُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (68)

{ أفلم يدبروا القول } أي القرآن ليعلموا أنه الحق من ربهم بإعجاز لفظه ووضوح مدلوله . { أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين } من الرسول والكتاب ، أو من الأمن من عذاب الله تعالى فلم يخافوا كما خاف آباؤهم الأقدمون كإسماعيل وأعقابه فآمنوا به وبكتابه ورسله وأطاعوه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{أَفَلَمۡ يَدَّبَّرُواْ ٱلۡقَوۡلَ أَمۡ جَآءَهُم مَّا لَمۡ يَأۡتِ ءَابَآءَهُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (68)

الفاء لتفريع الكلام على الكلام السابق وهو قوله { بل قلوبهم في غمرة من هذا } إلى قوله { سامراً تهجرون } [ المؤمنون : 63 67 ] . وهذا التفريع معترض بين جملة { بل قلوبهم في غمرة من هذا } وجملة { ولو رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر للجوا في طغيانهم يعمهون } [ المؤمنون : 75 ] .

والمفرع استفهامات عن سبب إعراضهم واستمرار قلوبهم في غمرة إلى أن يحل بهم العذاب الموعودونه .

وهذه الاستفهامات مستعملة في التخطئة على طريقة المجاز المرسل لأن اتضاح الخطأ يستلزم الشك في صدوره عن العقلاء فيقتضي ذلك الشك السؤال عن وقوعه من العقلاء .

ومآل معاني هذه الاستفهامات أنها إحصاء لمثار ضلالهم وخطئهم ولذلك خصت بذكر أمور من هذا القبيل . وكذلك احتجاج عليهم وقطع لمعذرتهم وإيقاظ لهم بأن صفات الرسول كلها دالة على صدقه .

فالاستفهام الأول : عن عدم تدبرهم فيما يتلى عليهم من القرآن وهو المقصود بالقول أي الكلام ، قال تعالى : { أفلا يتدبرون القرآن } [ النساء : 82 ] . والتدبر : إعمال النظر العقلي في دلالات الدلائل على ما نصبت له . وأصله أنه من النظر في دُبُر الأمر ، أي فيما لا يظهر منه للمتأمل بادىء ذي بدء . وقد تقدم عند قوله تعالى : { أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوَجدوا فيه اختلافاً كثيراً } في سورة النساء ( 82 ) .

والمعنى : أنهم لو تدبروا قول القرآن لعلموا أنه الحق بدلالة إعجازه وبصحة أغراضه ، فما كان استمرار عنادهم إلا لأنهم لم يدبروا القول . وهذا أحد العلل التي غمرت بهم في الكفر .

والاستفهام الثاني : هو المقدر بعد ( أم ) وقوله : { أم لم يعرفوا رسولهم } . ف ( أم ) حرف إضراب انتقالي من استفهام إلى غيره وهي ( أم ) المنقطعة بمعنى ( بل ) ويلزمها تقدير استفهام بعدها لا محالة . فقوله { جاءهم ما لم يأت آباءهم } تقديره : بل أجاءهم . والمجيء مجاز في الإخبار والتبليغ ، وكذلك الإتيان .

و ( ما ) الموصولة صادقة على دين . والمعنى : أجاءهم دين لم يأت آباءهم الأولين وهو الدين الداعي إلى توحيد الإله وإثبات البعث ، ولذلك كانوا يقولون : { إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون } [ الزخرف : 22 ] . ولهذا قال الله تعالى { وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون قل أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون } [ الزخرف : 23 ، 24 ] .

ثم إنه إن كان المراد ظاهر معنى الصلة وهي { ما لم يأت آباءهم الأولين } من أن الدين الذي جاءهم لا عهد لهم به ، تعين أن يكون في الكلام تهكم بهم إذ قد أنكروا ديناً جاءهم ولم يسبق مجيئه لآباءهم . ووجه التهكُّم أن شأن كل رسول جاء بدين أن يكون دينه أُنُفا ولو كان للقوم مثله لكان مجيئه تحصيل حاصل .

وإن كان المراد من الصلة أنه مخالف لما كان عليه آباؤهم لأن ذلك من معنى : لم يأت آباءهم ، كان الكلام مجرد تغليط ، أي لا اتجاه لكفرهم به لأنه مخالف لما كان عليه آباؤهم إذ لا يكون الدين إلا مخالفاً للضلالة ويكون في معنى قوله تعالى : { أم آتيناهم كتاباً من قبله فهم به مستمسكون بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون } [ الزخرف : 21 ، 22 ] .