تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَفَلَمۡ يَدَّبَّرُواْ ٱلۡقَوۡلَ أَمۡ جَآءَهُم مَّا لَمۡ يَأۡتِ ءَابَآءَهُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (68)

الآية 68 : وقوله تعالى : { أفلم يدبروا القول } قيل : أي في القرآن . يحتمل قوله : { أفلم يفتروا }أي فهلا تدبروا ذلك القول الذي يقولون في الآخرة في الدنيا ، وهو قولهم{ أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل }( الأعراف : 53 ) وما ذكر من تضرعهم في الآخرة ، وهو قوله : { إذا هم يجأرون }( المؤمنون : 64 ) .

وجائز أن يكون قوله : { أفلم يدبروا القول }أي قد تدبروا القول ، لكنهم تعاندوا ، وكابروا ، واستكبروا ، ولم يخضعوا له آنفا واستكبارا . أولا ترى أنه إذا قرع أسماعهم قوله : { فأتوا بسورة من مثله }( البقرة : 23 ) وقوله : { قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله }الآية ؟ ( الإسراء : 88 ) لا يحتمل أن يدبروا فيه . دل أنهم قد تدبروا فيه ، وعرفوه ، إلا أنهم تعاندوا ، وكابروا ، واستكبروا ، أنفا منهم واستكبارا واستنكافا عن اتباعه والخضوع له .

وقوله تعالى : { أفلم يدبروا القول }قد ذكرنا أنه يخرج على وجهين : أحدهما : على ترك التدبير فيه والتفكر{[13469]} والإعراض عنه ، أي لم يدبروا فيه ولم يتفكروا .

والثاني : على إيجاب حقيقة التدبر والتفكر ، أي قد تدبروا فيه ، وعرفوا أنه منزل من الله ، لكنهم تركوا متابعته عنادا وتمردا إشفاقا على ذهاب رئاستهم وطمعا في إبقائها ودوام مأكلتهم .

فأي الوجهين كان ففيه لزوم حجج الله وبراهينه على من جهلها ، ولم يعرفها ، بالإعراض عنها وترك التدبر فيها حين{[13470]} استوجبوا عذاب الله ومقته لجهلهم بها بترك التدبر فيها بعد أن{[13471]} كان لهم سبيل الوصول إلى معرفتها .

وظاهر قوله{ أفلم يدبروا }استفهام إلا أنه في الحقيقة إيجاب لما{[13472]} لا يجوز أن يستفهم الله أحدا فهو على الإيجاب لأنه علام الغيوب .

وقوله تعالى{ أم جاءهم ما لم يأت آباؤهم الأولين }أي فقد جاءهم ( ما جاءهم آباؤهم ){[13473]} الأولين من الرسول ؛ لم{[13474]} يأت هؤلاء شيء إلا ما أتى آباؤهم ، لم يخصوا هم بالرسول . فكيف أنكروه ؟

ألا ترى أنهم قالوا : { لئن جاءهم نذير ليكونن أهدى من إحدى الأمم }( فاطر : 42 ) قد أقروا أن في الأمم المتقدمة رسولا حين{[13475]} قالوا : { ليكونن أهدى من أحدى الأمم } ؟ .


[13469]:أدرج بعدما في الأصل: حقيقة التفكر.
[13470]:في الأصل وم: حيث.
[13471]:في الأصل وم: إذا.
[13472]:في الأصل وم: لها.
[13473]:في الأصل وم: ما جاءهم.
[13474]:في الأصل وم: ثم.
[13475]:في الأصل وم: حيث.