في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{أَفَلَمۡ يَدَّبَّرُواْ ٱلۡقَوۡلَ أَمۡ جَآءَهُم مَّا لَمۡ يَأۡتِ ءَابَآءَهُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (68)

53

وينتقل بهم من مشهد التأنيب في الآخرة ، فيعود بهم إلى الدنيا من جديد ! يعود بهم ليسأل ويعجب من موقفهم ذاك الغريب . . ما الذي يصدهم عن الإيمان بما جاءهم به رسولهم الأمين ? ما الشبهات التي تحيك في صدورهم فتصدهم عن الهدى ? ما حجتهم في الإعراض عنه ، والسمر في مجالسهم بقالة السوء فيه ? وهو الحق الخالص والطريق المستقيم :

( أفلم يدبروا القول ? أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين ? أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون ? أم يقولون به جنة ? بل جاءهم بالحق وأكثرهم للحق كارهون ! ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن . بل أتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون . أم تسألهم خرجا ? فخراج ربك خير وهو خير الرازقين . وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم . وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة عن الصراط لناكبون ) . .

إن مثل ما جاء به محمد رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] لا يملك من يتدبره أن يظل معرضا عنه ، ففيه من الجمال ، وفيه من الكمال ، وفيه من التناسق ، وفيه من الجاذبية ، وفيه من موافقة الفطرة ، وفيه من الإيحاءات الوجدانية ، وفيه من غذاء القلب ، وفيه من زاد الفكر ، وفيه من عظمة الاتجاهات ، وفيه من قويم المناهج ، وفيه من محكم التشريع . . وفيه من كل شيء ما يستجيش كل عناصر الفطرة ويغذيها ويلبيها ( أفلم يدبروا القول )إذن ? فهذا سر إعراضهم عنه لأنهم لم يتدبروه . .

( أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين ? ) . . فكان بدعا في مألوفهم ومألوف آبائهم أن يجيئهم رسول ! أو أن يجيئهم بكلمة التوحيد ! وذلك تاريخ الرسالات كلها يثبت أن الرسل جاءوا قومهم تترى ، وكلهم جاء بالكلمة الواحدة التي يدعوهم إليها هذا الرسول !