اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَفَلَمۡ يَدَّبَّرُواْ ٱلۡقَوۡلَ أَمۡ جَآءَهُم مَّا لَمۡ يَأۡتِ ءَابَآءَهُمُ ٱلۡأَوَّلِينَ} (68)

قوله : { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ القول } أي : يتدبروا القول ، يعني ما جاءهم من القول وهو القرآن من حيث إنه كان مبايناً لكلام العرب في الفصاحة ، ومبرأ من التناقض مع طوله ، فيعرفوا ما فيه من الدلالات على صدق محمد صلى الله عليه وسلم ، ومعرفة الصانع ، والوحدانية ، فيتركوا الباطل{[33178]} ، ويرجعوا إلى الحق { أَمْ جَاَءهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الأولين } واعلم أنّ إقدامهم{[33179]} على كفرهم وجهلهم لا بُدّ وأن يكون لأحد أمور أربعة :

الأول : أن لا يتأملوا دليل ثبوته ، وهو المراد من قوله : { أَفَلَمْ يَدَّبَّرُواْ القول } وهو القرآن يعني : أنه كان معروفاً لهم .

والثاني : أن يعتقدوا أن مجيء الرسول على خلاف العادة ، وهو المراد من قوله : { أَمْ جَاءَهُمْ مَّا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ } وذلك أنهم عرفوا بالتواتر مجيء الرسول إلى الأمم السالفة ، وكانت الأمم بين مُصدّقٍ ناجٍ وبين مكذّبٍ هالك ، أفَمَا دعاهم{[33180]} ذلك إلى تصديق الرسل .

وقال بعضهم : «أَمْ » هاهنا بمعنى «بَلْ » والمعنى بل جاءهم ما لم يأت آباءهم {[33181]} .

والثالث : أن لا يكونوا عالمين بديانته ، وحسن خصاله قبله ادعائه النبوة ، وهو المراد من قوله : { أَمْ لَمْ يَعْرِفُواْ رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ } .


[33178]:انظر الفخر الرازي 23/112.
[33179]:من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي 23/112.
[33180]:في ب: دعاوهم.
[33181]:انظر القرطبي 12/139.