معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{تَدۡعُواْ مَنۡ أَدۡبَرَ وَتَوَلَّىٰ} (17)

{ تدعو } النار إلى نفسها ، { من أدبر } عن الإيمان ، { وتولى } عن الحق فتقول إلي يا مشرك إلي يا منافق إلي إلي . قال ابن عباس : تدعو الكافرين والمنافقين بأسمائهم بلسان فصيح ثم تلتقطهم كما يلتقط الطير الحب . حكي عن الخليل : أنه قال : تدعو أي تعذب . وقال : قال أعرابي لآخر : دعاك الله أي عذبك الله .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{تَدۡعُواْ مَنۡ أَدۡبَرَ وَتَوَلَّىٰ} (17)

تدعو تجذب وتحضر كقول ذي الرمة تدعو أنفه الريب مجاز عن جذبها وإحضارها لمن فر عنها تدعو زبانيها وقيل تدعو تهلك من قولهم دعاه الله إذا أهلكه من أدبر عن الحق وتولى عن الطاعة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{تَدۡعُواْ مَنۡ أَدۡبَرَ وَتَوَلَّىٰ} (17)

وقوله تعالى : { تدعو من أدبر وتولى } يريد الكفار ، واختلف الناس في دعائها ، فقال ابن عباس وغيره : هو حقيقة تدعوهم بأسمائهم وأسماء آبائهم ، وقال الخليل بن أحمد هي عبارة عن حرصها عليهم واستدنائها لهم ، وما توقعه من عذابها ، وقال ثعلب : { تدعو } ، معناه : تهلك ، تقول العرب : دعاك الله أي أهلكك ، وحكاه الخليل عن العرب .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{تَدۡعُواْ مَنۡ أَدۡبَرَ وَتَوَلَّىٰ} (17)

وجملة { تدعو } إما خبر ثان حسب قراءة { نزّاعة } بالرفع وإمّا حال على القراءتين . والدعاء في قوله : { تدعو } يجوز أن يكون غير حقيقة بأن يعتبر استعارة مكنية ، شبهت لظّى في انهيال الناس إليها بضائف لمأدُبة ، ورُمز إلى ذلك ب { تدعو } وذلك على طريقة التهكم .

ويكون { من أدبر وتولى وجمع فأوعى } قرينةً ، أو تجريداً ، أي من أدبر وتولى عن الإِيمان بالله . وفيه الطباق لأن الإِدبار والتولي يضادَّاننِ الدعوة في الجملة إذ الشأن أن المدعو يقبل ولا يدبر ، ويكون ( يدعوا ) مشتقاً من الدُعوة المضمومة الدال ، أو أن يشبه إحضار الكفار عندها بدعوتها إياهم للحضور على طريقة التبعية ، لأن التشبيه بدعوة المنادي ، كقول ذي الرمة يصف الثور الوحشي :

أمسى بوَهْبَيْنِ مُخْتَاراً لِمَرْتَعه *** من ذي الفوارس تدعُو أنفَه الرِّبَبُ

الرِّبَب بكسر الراء وبموحدتين : جمع رِبَّة بكسر الراء وتشديد الموحدة : نبات ينبت في الصيف أخضرُ .

ويجوز أن يكون { تدعو } مستعملاً حقيقة ، و« الذين يَدْعون » : هم الملائكة الموكلون بجهنم ، وإسنادُ الدعاء إلى جهنم إسناداً مجازياً لأنها مكان الداعين أو لأنها سبب الدعاء ، أو جهنم تدعو حقيقة بأن يخلُق الله فيها أصواتاً تنادي الذين تولوا أن يَرِدوا عليها فتلتهمهم .

و { من أدبر وتولى وجمع فأوعى } جنس الموصوفين بأنهم أدبروا وتولوا وجمعوا وهم المجرمون الذين يودون أن يفتَدوا من عذاب يومئذٍ . وهذه الصفات خصائص المشركين ، وهي من آثار دين الشرك التي هي أقوى باعث لهم على إعراضهم عن دعوة الإِسلام .

وهي ثلاثة : الإِدبار والإِعراض ، وجمع المال ، أي الخشية على أموالهم .

والإِدبار : ترك شيء في جهة الوراء لأن الدّبر هو الظهر ، فأدبر : جعل شيئاً وراءه بأن لا يعرج عليه أصلاً أو بأن يقبل عليه ثم يفارقَه .

والتولّي : الإِدبار عن شيء والبعد عنه ، وأصله مشتق من الوَلاية وهي الملازمة قال تعالى : { فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام } [ البقرة : 144 ] ، ثم قالوا : ولَّى عنه ، أرادوا اتخذ غيره ولياً ، أي ترك وَلايته إلى ولاية غيره مثل ما قالوا : رَغب فيه ورغب عنه ، فصار « ولي » بمعنى : أدبر وأعرض ، قال تعالى : { فأعْرض عمن تولَّى عن ذِكرنا } [ النجم : 29 ] أي عامِلْه بالإِعراض عنه .

ففي التولي معنى إيثار غير المتولَّى عنه ، ولذلك يكون بين التولّي والإِدبار فرق ، وباعتبار ذلك الفرق عُطف و { تولَّى } على { أدبر } أي تدعو من ترك الحق وتولى عنه إلى الباطل . وهذه دقيقة من إعجاز القرآن بأن يكون الإِدبار مراداً به إدبارَ غير تَول ، أي إدباراً من أول وهلة ، ويكون التولي مراداً به الإِعراض بعد ملابسة ، ولذلك يكون الإِدبار مستعاراً لعدم قبول القرآن ونفي استماع دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو حال الذين قال الله فيهم : { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن } [ فصلت : 26 ] ، والتولي مستعار للإِعراض عن القرآن بعد سماعه وللنفور عن دعوة الرسول كما قال تعالى : { وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلاّ أساطير الأولين } [ الأنفال : 31 ] وكلا الحالين حال كفر ومحقة للعقاب وهما مجتمعتان في جميع المشركين .

والمقصود من ذكرهما معاً تفظيع أصحابهما ، وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون متعلِّق { أدبر وتولى } متّحداً يتنازعه كلا الفعلين ، ويقدر بنحو : عن الحق ، وفي « الكشاف » : أدبر عن الحق وتولى عنه ، إذ العبرة باختلاف معنيي الفعلين وإن كان متعلقهما متحداً .

ويجوز أن يقدر لكل فعل متعلِّقٌ هو أشد مناسبة لمعناه ، فقدر البيضاوي : أدبر عن الحق وتولى عن الطاعة ، أي لم يقبل الحق وهو الإِيمان من أصله ، وأعرض عن طاعة الرسول بعد سماع دعوته . وعن قتادة عكسه : أدبر عن طاعة الله وتولى عن كتاب الله وتبعه الفخر والنيسابوري .