الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{تَدۡعُواْ مَنۡ أَدۡبَرَ وَتَوَلَّىٰ} (17)

" تدعو من أدبر وتولى " أي تدعو لظى من أدبر في الدنيا عن طاعة الله وتولى عن الإيمان . ودعاؤها أن تقول : إلي يا مشرك ، إلي يا كافر . وقال ابن عباس : تدعو الكافرين والمنافقين بأسمائهم بلسان فصيح : إلي يا كافر ، إلي يا منافق ، ثم تلتقطهم كما يلتقط الطير الحب . وقال ثعلب : " تدعو " أي تهلك . تقول العرب : دعاك الله ، أي أهلكك الله . وقال الخليل : إنه ليس كالدعاء " تعالوا " ولكن دعوتها إياهم تمكنها من تعذيبهم . وقيل : الداعي خزنة جهنم ، أضيف دعاؤهم إليها . وقيل : هو ضرب مثل ، أي إن مصير من أدبر وتولى إليها ، فكأنها الداعية لهم . ومثله قول الشاعر :

ولقد هبطنا الوَادِيَيْنِ فواديا *** يدعو الأنيس به العضيض{[15357]} الأبكَمُ

العضيض الأبكم : الذباب . وهو لا يدعو وإنما طنينه نبه عليه فدعا إليه .

قلت : القول الأول هو الحقيقة ، حسب ما تقدم بيانه بآي القرآن والأخبار الصحيحة . القشيري : ودعاء لظى بخلق الحياة فيها حين تدعو ، وخوارق العادة غدا كثيرة .


[15357]:وردت الكلمة في نسخ الأصل مضطربة؛ ففي ح، ط: "العضيض" بالعين المهملة والضاد المعجمة. وفي ل: "الفصيص" بالفاء والصاد المهملة وفي ز: "الفضيض" بالفاء والضاد، وفي هـ: "العصيص" بالعين والصاد المهملتين. ولم نهتد إلى المعنى الذي ذكره لواحد من هذه الكلمات في كتب اللغة.