معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ} (18)

قوله تعالى : { وبالأسحار هم يستغفرون } قال الحسن : لا ينامون من الليل إلا أقله ، وربما نشطوا فمدوا إلى السحر ، ثم أخذوا بالأسحار في الاستغفار . وقال الكلبي ومجاهد ومقاتل : وبالأسحار يصلون ، وذلك أن صلاتهم بالأسحار لطلب المغفرة .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أبو محمد الحسن بن محمد المخلدي ، أنبأنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج ، حدثنا قتيبة ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن سهل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " ينزل الله إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل فيقول : أنا الملك ، أنا الملك ، من الذي يدعوني فاستجيب له ؟ من الذي يسألني فأعطيه ؟ من الذي يستغفرني فأغفر له " .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سليمان بن أبي مسلم عن طاوس سمع ابن عباس قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد ، قال : اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ، ولقاؤك حق ، وقولك حق ، والجنة حق والنار حق ، والنبيون حق ، والساعة حق ، اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت ، وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت ، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت ، وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر ، لا إله إلا أنت ولا إله غيرك " . قال سفيان : وزاد عبد الكريم أبو أمية : ولا حول ولا قوة إلا بالله .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا صدقة ، أنبأنا الوليد عن الأوزاعي ، حدثني عمير بن هانئ ، حدثني جنادة بن أبي أمية ، حدثني عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من تعار من الليل فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : رب اغفر لي أو قال : دعا استجيب له ، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته " .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ} (18)

وقوله عز وجل : { وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } . قال مجاهد ، وغير واحد : يصلون . وقال آخرون : قاموا الليل ، وأخروا الاستغفار إلى الأسحار . كما قال تعالى : { وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ } [ آل عمران : 17 ] ، فإن كان الاستغفار في صلاة فهو أحسن . وقد ثبت في الصحاح وغيرها عن جماعة من الصحابة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير ، فيقول : هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من سائل فيعطى سؤله ؟ حتى يطلع الفجر " {[27420]} .

وقال كثير من المفسرين في قوله تعالى إخبارا عن يعقوب : أنه قال لبنيه : { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي } [ يوسف 98 ] قالوا : أخرهم إلى وقت السحر .


[27420]:- (1) رواه مسلم في صحيحه برقم (758).
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ} (18)

وقوله : وَبالأسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : وبالأسحار يصلون . ذكر من قال ذلك :

حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَبالأسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يقول : يقومون فيصلون ، يقول : كانوا يقومون وينامون ، كما قال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم : إنّ رَبّكَ يَعْلَمُ أنّكَ تَقُومُ أدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللّيْلِ وَنِصْفَهُ فهذا نوم ، وهذا قيام وَطائِفَةٌ مِنَ الّذِينَ مَعَكَ كذلك يقومون ثلثا ونصفا وثلثين : يقول : ينامون ويقومون .

حدثنا ابن حَميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن جبلة بن سحيم ، عن ابن عمر ، قوله : وَبالأسَحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال : يصلون .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَبالأسَحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال : يصلون .

وقال آخرون : بل عنى بذلك أنهم أخروا الاستغفار من ذنوبهم إلى السحر . ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن ، قال : مدّوا في الصلاة ونَشِطوا ، حتى كان الاستغفار بسحر .

حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَبالأسَحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال : هم المؤمنون ، قال : وبلغنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يعقوب حين سألوه أن يستغفر لهم قالوا يا أبانا استْغَفِرْ لَنا ذُنُوبَنا قالَ سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّي قال : قال بعض أهل العلم : إنه أخرّ الاستغفار إلى السحر . قال : وذكر بعض أهل العلم أن الساعة التي تفتح فيها أبواب الجنة : السحر .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت ابن زيد يقول : السحر : هو السدس الأخير من الليل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ} (18)

أما في السحر فهم يتهجدون ، ولذلك فسر ابن عمر ومجاهد الاستغفار بالصلاة في السحر . وهذا نظير قوله تعالى : { والمستغفرين بالأسحار } [ آل عمران : 17 ] ، وليس المقصود طلب الغفران بمجرد اللسان ولو كان المستغفر في مضجعه إذ لا تظهر حينئذٍ مزية لتقييد الاستغفار بالكون في الأسحار .

والأسحار : جمع سحر وهو آخر الليل . وخص هذا الوقت لكونه يكثر فيه أن يغلب النوم على الإنسان فيه فصلاتهم واستغفارهم فيه أعجب من صلاتهم في أجزاء الليل الأخرى . وجَمْع الأسحار باعتبار تكرر قيامهم في كل سحر .

وتقديم { بالأسحار } على { يستغفرون } للاهتمام به كما علمت .

وصيغ استغفارهم بأسلوب إظهار اسم المسند إليه دُون ضميره لقصد إظهار الاعتناء بهم وليقع الإخبار عن المسند إليه بالمسند الفعلي فيفيد تقوّي الخبر لأنه من الندّرة بحيث يقتضي التقوية لأن الاستغفار في السحر يشقّ على من يقوم الليل لأن ذلك وقت إعيائه . فهذا الإسناد على طريقة قولهم : هو يعطي الجزيل .