الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ} (18)

وقوله : { وبالأسحار هم يستغفرون } [ 18 ] أي {[65120]} : إنهم يغدون {[65121]} من قباء {[65122]} فيصلون في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم .

وقال الضحاك : { كانوا قليلا } مردود على ما قبله ، وهو تمام الكلام {[65123]} ، فالمعنى/ أنهم كانوا قبل ذلك محسنين ، كانوا قليلا ، أي : كان المحسنون قليلا من الناس .

ثم ابتدأ { من اليل {[65124]} ما يهجعون } " فما " نافية على هذا القول ، " وما " على الأقوال الأول مع الفعل مصدر {[65125]} .

وقال النخعي : معناه : كانوا قليلا ينامون {[65126]} {[65127]} ، فيحتمل أن تكون " ما " زائدة على هذا القول ، وأن تكون والفعل مصدرا {[65128]} .

والهجوع في اللغة : النوم {[65129]} ، وهو قول ابن عباس والنخعي والضحاك وابن زيد .

وروى ابن وهب عن مجاهد أنه قال في معنى {[65130]} الآية : كانوا قل ليلة تمر بهم إلا أصابوا منها خيرا {[65131]} .

وروى ابن وهب {[65132]} أيضا في جامعه عن ابن لهيعة {[65133]} عن يزيد بن أبي حبيب {[65134]} أن ناسا كانوا ينضحون لناس {[65135]} من الأنصار بالدلاء على الثمار {[65136]} من أول الليل [ ثم يهجعون قليلا ثم يصلون آخر ذلك قال الله تعالى : { كانوا قليلا من اليل ما يهجعون } {[65137]} ] يعني : في نضحهم {[65138]} .

ثم قال : { وبالأسحار هم يستغفرون } فكأنه تعالى مدحهم أنهم لم يشغلهم {[65139]} في أول الليل {[65140]} ، وتعبهم في النضح حتى قاموا يصلون في آخر الليل .

ثم قال : { وبالأسحار هم يستغفرون } ، قال الضحاك : معناه يقومون فيصلون ، أي : كانوا يقومون وينامون ، وهو قول مجاهد {[65141]} .

وقال الحسن : ( مدوا الصلاة وبسطوا ) {[65142]} حتى كان الاستغفار في السحر ، يعني الاستغفار من الذنوب {[65143]} .

قال ابن زيد : هو الاستغفار ، قال وبلغنا أن نبي الله يعقوب صلى الله عليه وسلم {[65144]} حين سأله بنوه أن يستغفر لهم ، فقالوا : { قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا } قال : { سوف أستغفر لكم ربي } {[65145]} ، أنه أخر الاستغفار لهم إلى السحر {[65146]} .

قال : وقال بعض أهل العلم أن الساعة التي تفتح فيها أبواب الجنة هي في السحر .

قال ابن زيد : السحر : السدس الآخر من الليل {[65147]} .

وروى حماد بن سلمة {[65148]} عن الجريري {[65149]} أن داود عليه السلام سأل جبريل عليه السلام أي : ساعة من الليل {[65150]} أسمع ، قال : لا أدري إلا أن العرش يهتز {[65151]} في السحر .

قال الجريري : فذكرت هذا لسعيد بن أبي {[65152]} الحسن ، فقال : أما ترى أن ريح الرياحين يفوح {[65153]} في السحر .


[65120]:ع: "يعني".
[65121]:ع: "يعذبون".
[65122]:ح: "قبا".
[65123]:انظر: القطع والائتناف 681، والمكتفى 536، والمقصد 81، والبحر المحيط 8/135.
[65124]:ع: "الليل"
[65125]:انظر: القطع والائتناف 681، والتبيان في إعراب القرآن 2/1179، والبحر المحيط 8/135، و روح المعاني 27/8، والإملاء 2/128.
[65126]:ج: "لا ينامون".
[65127]:انظر: ابن كثير 4/235.
[65128]:انظر: مشكل الإعراب 687، وإعراب النحاس 239، والبيان في غريب إعراب القرآن 2/389، والتبيان في إعراب القرآن 2/1179، و القطع والائتناف 681، وتفسير القرطبي 17/35، والكشاف 4/389، والبحر المحيط 8/135، والإملاء 2/28.
[65129]:انظر: لسان العرب 3/774، ومفردات الراغب 537، و الصحاح 3/1305.
[65130]:ع: "معنى في" وهو تحريف.
[65131]:انظر: أحكام ابن العربي 4/1730.
[65132]:ع: "وروى أيضا ابن وهب".
[65133]:هو عبد الله بن لهيعة بن فرعان الحضرمي المصري، أبو عبد الرحمن قاضي الديار المصرية وعالمها ومحدثها في عصره، أدرك الأعرج وعمرو بن شعيب، توفي بالقاهرة 174 هـ. انظر: وفيات الأعيان 3/38، وميزان الاعتدال 2/475، والنجوم الزاهرة 2/77.
[65134]:هو يزيد بن سويد الأزدي بالولاء المصري، أبو رجاء، مفتي أهل مصر في صدر الإسلام وأول من أظهر علوم الدين والفقه، وكان حجة حافظا للحديث حدث عنه سعيد بن أبي أيوب ومحمد بن إسحاق والليث، وروى عنه عبد الله ابن الحارث وعطاء بن أبي رباح والزهري وآخرون (ت 123 هـ). انظر: تذكرة الحفاظ 1/129، وتهذيب التهذيب 11/318.
[65135]:ع: "الناس": وهو تحريف.
[65136]:ح: "النهار" وهو تحريف.
[65137]:ساقط من ح.
[65138]:انظر: تفسير القرطبي 17/38.
[65139]:ع: "يشعلهم": وهو تصحيف.
[65140]:ع: "اليل".
[65141]:انظر: تفسير مجاهد 619، وجامع البيان 26/124.
[65142]:ح: "مروا الصلاة ويبسطوا): وهو تحريف.
[65143]:انظر: جامع البيان 26/124، وتفسير القرطبي 17/37.
[65144]:ع: "عليه السلام".
[65145]:يوسف : آية 98.
[65146]:انظر: جامع البيان 26/124.
[65147]:ع: "الليل" وانظر: جامع البيان 26/124.
[65148]:هو حماد بن سلمة بن دينار البصري الربعي بالولاء، أبو سلمة، مفتي البصرة، وأحد رجال الحديث، ومن النقاة، كان حافظا ثقة مأمونا أخذ عنه يونس بن حبيب وابن جريج والثوري وشعبة، وروى عن قتادة وهشام بن عروة وأيوب السختياني (ت. 167 هـ). انظر: حلية الأولياء 6/249، ونزهة الألباء 40، وتهذيب التهذيب 3/11، وميزان الاعتدال 1/190.
[65149]:هو أبان بن ثغلب بن رباح البكري الجريري بالولاء، أبو سعيد، قارئ من غلاة الشيعة، من أهل الكوفة، من كتبه "غريب القرآن". ولعله أول من صنف في هذا الموضوع، روى له مسلم والأربعة، وقال شمس هو صدوق موثق (ت 141 هـ). انظر: فهرست ابن النديم 322، والوافي بالوفيات 5/300.
[65150]:ع: "الليل".
[65151]:ع: "تهتز".
[65152]:سعيد بن أبي الحسن واسمه يسار الانصاري مولاهم البصري، روى عن علي وابن عباس وعبد الرحمن بن سمرة وأبي بكرة الثقفي وأبي هريرة، ومنه أخوه الحسن وابنه يحيى بن سعيد وقتادة وسليمان التيمي، قال أبو زرعة والنسائي ثقة، وذكره خليفة في الطبقة الثانية من قراء أهل البصرة وقال ابن سعد: مات قبل الحسن سنة مائة، وقال ابن حبان: مات بفارس سنة 108 هـ، له في صحيح البخاري حديث واحد في مسند ابن عباس. انظر: ترجمته في تهذيب التهذيب 4/16.
[65153]:ع: "تفوح".