الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ} (18)

وقوله تعالى : { وبالأسحار هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } قال الحسن : معناه : يدعون في طَلَبِ المغفرة ، ويُرْوَى أَنَّ أبوابَ الجنة تُفْتَحُ سَحَرَ كُلَّ ليلة ، قال ابن زيد : السَّحَرُ : السُّدُسُ الآخر من الليل ، والباء في قوله { وبالأسحار } بمعنى في ؛ قاله أبو البقاء ، انتهى . ومن كلام الجوزي في «المُنْتَخَبِ » : يا أخي ، علامةُ المَحَبَّةِ طلبُ الخَلْوَةِ بالحبيبِ ، وبيداءُ اللَّيل فلواتُ الخلوات ، لَمَّا ستروا قيامَ الليل في ظلام الدُّجَى ؛ غَيْرَةً أَنْ يَطَّلِعَ الغيرُ عليهم سترهم سبحانه بسترٍ ، { فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفي لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ } . لَمَّا صَفَتْ خلواتُ الدُّجَى ، ونادى أذان الوصال : أقم فلاناً ، وأنم فلاناً خرجت بالأسماء الجرائد ؛ وفاز الأحبابُ بالفوائد ، وأنت غافل راقد . آهِ لو كنتَ معهم أسفاً لك لو رأيتهم لأبصرتَ طلائِعَ الصِّدِّيقِينَ في أول القوم ، وشاهدتَ سَاقَةَ المستغفرين في الرَّكْبِ ، وسَمِعْتَ استغاثة المُحِبِّينَ في وسط الليل ، لو رأيتهم يا غافلُ ، وقد دارت كُؤوسُ المناجات ؛ بين مزاهر التلاوات ، فأسكَرَتْ قَلْبَ الواجدِ ، ورقمت في مصاحف الوجنات . تعرفهم بسيماهم ، يا طويلَ النوم ، فاتتك مِدْحَةُ { تتجافي } وَحُرِمْتَ مِنْحَةَ { والمستغفرين } ، يا هذا ، إنَّ للَّه تعالى ريحاً تُسَمَّى الصَّبِيحَةَ مخزونةً تحتَ العرش ، تَهُبُّ عند الأسحار ، فتحمل الدعاء والأنين والاستغفار إلى حضرة العزيز الجَبَّارِ ، انتهى .