معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{ذَرۡهُمۡ يَأۡكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلۡهِهِمُ ٱلۡأَمَلُۖ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ} (3)

قوله تعالى : { ذرهم } ، يا محمد ، يعني : الذين كفروا ، { يأكلوا } في الدنيا ، { ويتمتعوا } ، من لذاتهم { ويلههم } ، يشغلهم ، { الأمل } ، عن الأخذ بحظهم من الإيمان والطاعة ، { فسوف يعلمون } ، إذا وردوا القيامة وذاقوا وبال ما صنعوا ، وهذا تهديد ووعيد . وقال بعض أهل العلم : { ذرهم } تهديد ، وقوله : { فسوف يعلمون } تهديد آخر ، فمتى يهنأ العيش بين تهديدين . والآية نسختها آية القتال .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{ذَرۡهُمۡ يَأۡكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلۡهِهِمُ ٱلۡأَمَلُۖ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ} (3)

وقوله : { ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا } تهديد لهم شديد ، ووعيد أكيد ، كقوله تعالى : { قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ } [ إبراهيم : 30 ] وقوله : { كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلا إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ } [ المرسلات : 46 ] ولهذا قال : { وَيُلْهِهِمُ الأمَلُ } أي : عن التوبة والإنابة ، { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } أي : عاقبة أمرهم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{ذَرۡهُمۡ يَأۡكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلۡهِهِمُ ٱلۡأَمَلُۖ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ} (3)

القول في تأويل قوله تعالى : { ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } .

يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ذر يا محمد هؤلاء المشركين يأكلوا في هذه الدنيا ما هم آكلوه ، ويتمتعوا من لذاتها وشهواتهم فيها إلى أجلهم الذي أجلت لهم ، ويُلْهِهم الأمل عن الأخذ بحظهم من طاعة الله فيها وتزوّدهم لمعادهم منها بما يقربهم من ربهم ، فسوف يعلمون غدا إذا وردوا عليه وقد هلكوا على كفرهم بالله وشركهم حين يُعاينون عذاب الله أنهم كانوا من تمتعهم بما كانوا يتمتعون فيها من اللذّات والشهوات كانوا في خسار وتباب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{ذَرۡهُمۡ يَأۡكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلۡهِهِمُ ٱلۡأَمَلُۖ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ} (3)

{ ذرهم } دعهم . { يأكلوا ويتمتّعوا } بدنياهم . { ويُلههم الأمل } ويشغلهم توقعهم لطول الأعمار واستقامة الأحوال عن الاستعداد للمعاد . { فسوف يعلمون } سوء صنيعهم إذا عاينوا جزاءه ، والغرض إقناط الرسول صلى الله عليه وسلم من أرعوائهم وإيذانه بأنهم من أهل الخذلان ، وإن نصحهم يعد اشتغال بما لا طائل تحته ، وفيه إلزام للحجة وتحذير عن ايثار التنعم وما يؤدي إليه طول الأمل .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{ذَرۡهُمۡ يَأۡكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلۡهِهِمُ ٱلۡأَمَلُۖ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ} (3)

وقوله : { ذرهم يأكلوا } الآية وعيد وتهديد ، وما فيه من المهادنة منسوخ بآية السيف . وقوله : { فسوف يعلمون } وعيد ثان ، وحكى الطبري عن بعض العلماء أنه قال : الأول في الدنيا ، والثاني في الآخرة ، فكيف تطيب حياة بين هذين الوعيدين ؟

ومعنى قوله : { ويلههم } أي يشغلهم أملهم في الدنيا والتزيد منها عن النظر والإيمان بالله ورسوله .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{ذَرۡهُمۡ يَأۡكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلۡهِهِمُ ٱلۡأَمَلُۖ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ} (3)

لما دلّت ( رُبّ ) على التقليل اقتضت أن استمرارهم على غلوائهم هو أكثر حالهم ، وهو الإعراض عما يدعوهم إليه الإسلام من الكمال النفسي ، فبإعراضهم عنه رضوا لأنفسهم بحياة الأنعام ، وهي الاقتصار على اللذات الجسدية ، فخوطب الرسول صلى الله عليه وسلم بما يُعرّض لهم بذلك من أن حياتهم حياة أكل وشرب . وذلك مما يتعيّرون به في مجاري أقوالهم كما في قول الحطيئة :

دَع المكارم لا تنهض لبُغيتها *** واقعُدْ فإنك أنتَ الطاعم الكاسي

وهم منغمسون فيما يتعيّرون به في أعمالهم قال تعالى : { والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم } [ سورة محمد : 12 ] .

و { ذر } أمر لم يسمع له ماض في كلامهم . وهو بمعنى الترك . وتقدم في قوله : { وذر الذين اتّخذوا دينهم لعباً ولهواً } في سورة الأنعام ( 70 ) .

والأمر بتركهم مستعمل في لازمه وهو قلة جدوى الحرص على إصلاحهم . وليس مستعملاً في الإذن بمتاركتهم لأن النبي مأمور بالدوام على دعائهم . قال تعالى : { وذر الذين اتخذوا دينهم لعباً } إلى قوله : { وذكّر به أن تبسل نفس بما كسبت } [ سورة الأنعام : 70 ] . فما أمره بتركهم إلا وقد أعقبه بأمره بالتذكير بالقرآن ؛ فعلم أن الترك مستعمل في عدم الرجاء في صلاحهم . وهذا كقول كبشة أُخت عمرو بن معد يكرب في قتل أخيها عبد الله تستنهض أخاها عمراً للأخذ بثأره :

وَدَعْ عنك عمرا إن عَمْرا مُسالِم *** وهل بَطن عَمرو غيرُ شِبر لمَطْعَم

وقد يستعمل هذا الفعل وما يراد به كناية عن عدم الاحتياج إلى الإعانة أو عن عدم قبول الوساطة كقوله تعالى : { ذرني ومن خلقت وحيدا } [ سورة المدثر : 11 ] ، وقوله : { وذرني والمكذبين } [ سورة المزمل : 11 ] .

وقد يستعمل في الترك المجازي بتنزيل المخاطب منزلة المتلبّس بالضدّ كقول أبي تمام :

دعوني أنُحْ من قبل نوح الحمائم *** ولا تجعلوني عُرضة للوَائِم

إذ مثل هذا يقال عند اليأس والقنوط عن صلاح المرء .

وقد حذف متعلق الترك لأن الفعل نزل منزلة ما لا يحتاج إلى متعلق ، إذ المعني به ترك الاشتغال بهم والبعد عنهم ، فلذلك عدّي فعل الترك إلى ذواتهم ليدل على اليأس منهم .

و{ يأكلوا } مجزوم بلام الأمر محذوفة كما تقدم بيانه عند قوله تعالى : { قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة } في سورة إبراهيم ( 31 ) . وهو أمر للتوبيخ والتوعد والإنذار بقرينة قوله : { فسوف يعلمون } . وهو كقوله : { كلوا وتمتعوا قليلاً إنكم مجرمون } سورة المرسلات ( 46 ) .

ولا يحسن جعله مجزوماً في جواب ذرهم } لأنهم يأكلون ويتمتعون سواء ترك الرسول صلى الله عليه وسلم دعوتهم أم دعاهم .

والتمتع : الانتفاع بالمتاع . وقد تقدم غير مرة ، منها قوله : { ومتاع إلى حين } في سورة الأعراف ( 24 ) .

وإلهاء الأمل إياهم : هو إنساؤه إياهم ما حقهم أن يتذكروه ؛ بأن يصرفهم تطلب ما لا ينالون عن التفكير في البعث والحياة الآخرة .

و { الأمَلُ } : مصدر . وهو ظن حصول أمر مرغوب في حصوله مع استبعاد حصوله . فهو واسطة بين الرجاء والطمع . ألا ترى إلى قول كعب :

أرجو وآمُل أن تدنو مودتها *** وما إخال لدينا منك تنويل

وتفرع على التعريض التصريح بالوعيد بقوله : { فسوف يعلمون } بأنه مما يستعمل في الوعيد كثيراً حتى صار كالحقيقة . وفيه إشارة إلى أن لإمهالهم أجلاً معلوماً كقوله : { وسوف يعلمون حين يرون العذاب } [ سورة الفرقان : 42 ] .