السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ذَرۡهُمۡ يَأۡكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلۡهِهِمُ ٱلۡأَمَلُۖ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ} (3)

ولما تمادوا في طغيانهم قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { ذرهم } ، أي : دعهم عن النهي عما هم عليه والصدّ عنه بالتذكرة والنصيحة ، وخلهم { يأكلوا ويتمتعوا } بدنياهم وتنفيذ شهواتهم ، والتمتع التلذذ ، وهو طلب اللذة حالاً بعد حال كالتقرب في أنه طلب القرب حالاً بعد حال . { ويلههم الأمل } ، أي : ويشغلهم توقعهم لطول الأعمار ، واستقامة الأحوال عن أخذ حظهم من السعادة ، وعن الاستعداد للمعاد . وقرأ أبو عمرو في الوصل بكسر الهاء والميم ، وحمزة والكسائي برفع الهاء والميم ، والباقون بكسر الهاء ورفع الميم . وأمّا الوقف فالجميع بكسر الهاء ، والكلام على الهاء الثانية ، وأمّا الهاء الأولى فمكسورة للجميع وقفاً ووصلاً . ولما كان هذا أمراً لا يشتغل به إلا أحمق تسبب عنه التهديد بقوله تعالى : { فسوف يعلمون } ، أي : ما يحل بهم بعدما فسحنا لهم في زمن التمتع من سوء صنيعهم ، وهذا قبل الأمر بالقتال .

تنبيه : في الآية دليل على أنّ إيثار التلذذ والتنعم في الدنيا يؤدّي إلى طول الأمل وليس ذلك من أخلاق المؤمنين . وعن بعضهم : التمتع في الدنيا من أخلاق الهالكين والأخبار في ذم الأمل كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم «يهرم ابن آدم ويشب معه اثنتان الحرص على المال والحرص على العمر » . وعن علي رضي الله تعالى عنه : إنما أخشى عليكم اثنتين طول الأمل واتباع الهوى ، فإنّ طول الأمل ينسي الآخرة واتباع الهوى يصدّ عن الحق .