قوله تعالى : { ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ } [ الحجر : 3 ] الآية ، أي دعْ يا محمد ، الكفَّار يأخذوا حظوظهم من دنياهم ، فتلك خلاقهم ، ولا خلاق لهم في الآخرةِ ، { وَيُلْهِهِمُ } يشغلهم " الأملًُ " عن الأخذ بحظِّهم من الإيمان والطَّاعة ، { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } إذا [ وردوا ]{[19435]} القيامة ، وذاقوا وبال [ صنعهم ]{[19436]} وهذا تهديدٌ ووعيدٌ .
وقال بعض العلماء : " ذَرْهُمْ " ، تهديدٌ ، و{ سَوْفَ يَعْلَمُونَ } ، تهديدٌ آخر ، فمتى يهنأ العيش بين تهديدين ؟ ! والآية نسختها آية القتالِ .
قوله : " وذَرْهُمْ " ، هذا الأمرُ لا يستعمل له ماضٍ إلا قليلاً ؛ استغناءً عنه ب " تَرَكَ " ، بل يستعمل منه المضارع نحو : { وَيَذَرُهُمْ } [ الأعراف : 186 ] ، ومن مجيء الماضي قوله -عليه الصلاة والسلام- " ذَرُوا الحَبشَة ما وَذَرتْكُم " ، ومثله : دَعْ ويَدَعْ ، ولا يقال : ودَعَ إلا نادراً ، وقد قرئ : { مَا وَدَّعَكَ } [ الضحى : 3 ] مخففاً ؛ وأنشدوا : [ الرمل ]
أ- سَلْ أمِيري مَا الذي غَيَّرهُ *** عَنْ وصَالِي اليَوْمَ حتَّى وَدَعهْ ؟{[19437]}
و " يَأكلُوا " مجزومٌ على جواب الأمر ، وقد تقدم [ البقرة : 17 ، 278 ] أنَّ " تَرَكَ " و " وَذرَ " يكونان بمعنى " صيَّر " ، فعلى هذا يكون المفعول الثاني محذوفاً ، أي : ذرهُم مهملين .
قوله تعالى : { وَيُلْهِهِمُ الأمل } ، يقال : لهيتُ عن الشَّيء ألهى لُهِيَّا ؛ جاء في الحديث : أنَّ ابن الزبير -رضي الله عنه- كان إذا سمع صوت الرَّعدِ لَهِيَ عن الحديث " {[19438]} .
قال الكسائيُّ ، والأصمعيُّ : كلُّ شيءٍ تركتهُ ، فقد لهيتهُ ؛ وأنشد : [ الكامل ]
ب- صَرمتْ حِبالَكَ فالْهَ عَنْهَا زَيْنَبُ *** . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
قال القرطبي : أربعةٌ من الشقاءِ ؛ جمودُ العين ، وقساوة القلبِ ، وطُولُ الأملِ ، والحرصُ على الدُّنيا .
فطُول الأملِ : داء عضالٌ ، ومرض مزمن ، ومتى تمكن من القلب فسد مزاجه ، واشتدَّ علاجه ، ولم يفارقه داءٌ ، ولا نجع فيه دواء ، بل أعيا الأطبَّاء ، ويئس من بُرئه الحكماء والعلماء .
وحقيقة الأمل : الحرص على الدنيا ، والانكباب عليها ، والحبُّ لها ، والإعراض عن الآخرة ، قال -صلوات الله وسلامه عليه- : " نَجَا أوَّلُ هذهِ الأمَّة باليَقِينِ والزُّهْدِ ، ويهْلِكُ آخِرُهَا بالبُخْلِ والأمَلِ " {[19439]} .
وقال الحسن : ما أطال عبدٌ الأمل ، إلا أساء العمل{[19440]} .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.