قوله تعالى : { وبالأسحار هم يستغفرون } قال الحسن : لا ينامون من الليل إلا أقله ، وربما نشطوا فمدوا إلى السحر ، ثم أخذوا بالأسحار في الاستغفار . وقال الكلبي ومجاهد ومقاتل : وبالأسحار يصلون ، وذلك أن صلاتهم بالأسحار لطلب المغفرة .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أنبأنا أبو محمد الحسن بن محمد المخلدي ، أنبأنا أبو العباس محمد بن إسحاق السراج ، حدثنا قتيبة ، حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، عن سهل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال : " ينزل الله إلى سماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل فيقول : أنا الملك ، أنا الملك ، من الذي يدعوني فاستجيب له ؟ من الذي يسألني فأعطيه ؟ من الذي يستغفرني فأغفر له " .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سليمان بن أبي مسلم عن طاوس سمع ابن عباس قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يتهجد ، قال : اللهم لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت ملك السماوات والأرض ومن فيهن ، ولك الحمد أنت الحق ووعدك الحق ، ولقاؤك حق ، وقولك حق ، والجنة حق والنار حق ، والنبيون حق ، والساعة حق ، اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت ، وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت ، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت ، وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر ، لا إله إلا أنت ولا إله غيرك " . قال سفيان : وزاد عبد الكريم أبو أمية : ولا حول ولا قوة إلا بالله .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا صدقة ، أنبأنا الوليد عن الأوزاعي ، حدثني عمير بن هانئ ، حدثني جنادة بن أبي أمية ، حدثني عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من تعار من الليل فقال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ثم قال : رب اغفر لي أو قال : دعا استجيب له ، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته " .
وقوله عز وجل : { وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } . قال مجاهد ، وغير واحد : يصلون . وقال آخرون : قاموا الليل ، وأخروا الاستغفار إلى الأسحار . كما قال تعالى : { وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ } [ آل عمران : 17 ] ، فإن كان الاستغفار في صلاة فهو أحسن . وقد ثبت في الصحاح وغيرها عن جماعة من الصحابة ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إن الله ينزل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير ، فيقول : هل من تائب فأتوب عليه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ هل من سائل فيعطى سؤله ؟ حتى يطلع الفجر " {[27420]} .
وقال كثير من المفسرين في قوله تعالى إخبارا عن يعقوب : أنه قال لبنيه : { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي } [ يوسف 98 ] قالوا : أخرهم إلى وقت السحر .
وقوله : وَبالأسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : معناه : وبالأسحار يصلون . ذكر من قال ذلك :
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَبالأسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ يقول : يقومون فيصلون ، يقول : كانوا يقومون وينامون ، كما قال الله لمحمد صلى الله عليه وسلم : إنّ رَبّكَ يَعْلَمُ أنّكَ تَقُومُ أدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللّيْلِ وَنِصْفَهُ فهذا نوم ، وهذا قيام وَطائِفَةٌ مِنَ الّذِينَ مَعَكَ كذلك يقومون ثلثا ونصفا وثلثين : يقول : ينامون ويقومون .
حدثنا ابن حَميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن جبلة بن سحيم ، عن ابن عمر ، قوله : وَبالأسَحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال : يصلون .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَبالأسَحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال : يصلون .
وقال آخرون : بل عنى بذلك أنهم أخروا الاستغفار من ذنوبهم إلى السحر . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حُمَيد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن يونس بن عبيد ، عن الحسن ، قال : مدّوا في الصلاة ونَشِطوا ، حتى كان الاستغفار بسحر .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَبالأسَحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ قال : هم المؤمنون ، قال : وبلغنا أن نبيّ الله صلى الله عليه وسلم يعقوب حين سألوه أن يستغفر لهم قالوا يا أبانا استْغَفِرْ لَنا ذُنُوبَنا قالَ سَوْفَ أسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّي قال : قال بعض أهل العلم : إنه أخرّ الاستغفار إلى السحر . قال : وذكر بعض أهل العلم أن الساعة التي تفتح فيها أبواب الجنة : السحر .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : سمعت ابن زيد يقول : السحر : هو السدس الأخير من الليل .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وبالأسحار} يعني آخر الليل {هم يستغفرون} يعني يصلون...
روى ابن وهب عن مالك في قوله تعالى: {وبالأسحار هم يستغفرون} قال: هو الرجل يمد الصلاة إلى السحر...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"وَبالأسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ "اختلف أهل التأويل في تأويله؛
فقال بعضهم: معناه: وبالأسحار يصلون...
وقال آخرون: بل عنى بذلك أنهم أخروا الاستغفار من ذنوبهم إلى السحر...
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: سمعت ابن زيد يقول: السحر: هو السدس الأخير من الليل.
جهود الإمام الغزالي في التفسير 505 هـ :
السدس الأخير من الليل هو وقت السحر، فإن الله تعالى قال: {وبالأسحار هم يستغفرون} قيل: يصلون لما فيها من الاستغفار، وهو مقارب للفجر الذي هو وقت انصراف ملائكة الليل وإقبال ملائكة النهار...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} فيه أنهم هم المستغفرون الأحقاء بالاستغفار دون المصرّين، فكأنهم المختصون به لاستدامتهم له وإطنابهم فيه...
إشارة إلى أنهم كانوا يتهجدون ويجتهدون يريدون أن يكون عملهم أكثر من ذلك وأخلص منه ويستغفرون من التقصير وهذا سيرة الكريم يأتي بأبلغ وجوه الكرم ويستقله ويعتذر من التقصير، واللئيم يأتي بالقليل ويستكثره ويمن به. وفيه وجه آخر ألطف منه، وهو أنه تعالى لما بين أنهم يهجعون قليلا، والهجوع مقتضى الطبع، قال: {يستغفرون} أي من ذلك القدر من النوم القليل. وفيه لطيفة أخرى تنبيها في جواب سؤال، وهو أنه تعالى مدحهم بقلة الهجوع، ولم يمدحهم بكثرة السهر، وما قال: كانوا كثيرا من الليل ما يسهرون، فما الحكمة فيه، مع أن السهر هو الكلفة والاجتهاد لا الهجوع؟ نقول إشارة إلى أن نومهم عبادة، حيث مدحهم الله تعالى بكونهم هاجعين قليلا، وذلك الهجوع أورثهم الاشتغال بعبادة أخرى، وهو الاستغفار في وجوه الأسحار، ومنعهم من الإعجاب بأنفسهم والاستكبار...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{وبالأسحار}... {هم} أي دائماً بظواهرهم وبواطنهم {يستغفرون} أي يعدون مع هذا الاجتهاد أنفسهم مذنبين ويسألون غفران ذنوبهم لوفور علمهم بالله وأنهم لا يقدرون على أن يقدروه حق قدره وإن اجتهدوا لقول سيد الخلق "لا أحصي ثناء عليك " وإبراز الضمير دال على أن غيرهم لو فعل هذا ليلة لأعجب بنفسه ورأى أنه لا أحد أفضل منه، وعلى أن استغفارهم في الكثرة يقتضي أنهم يكونون بحيث يظن أنهم أحق بالتذلل من المصرين على المعاصي، فإن استغفارهم ذلك على بصيرة لأنهم نظروا ما له سبحانه في الآفاق وفي أنفسهم من الآيات والحكم البالغة التي لا تحصى فعلموا أنه أهل لأن يطاع ويخشى فاجتهدوا وتركوا الهجوع، وأجروا الدموع، ثم قابلوا ذلك بنعمه فإذا الأعمال في غاية التقصير فأقبلوا على الاستغفار عالمين بأنه لا يمكن أن يقدر حق قدره.