معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ ءَاوَىٰٓ إِلَيۡهِ أَبَوَيۡهِ وَقَالَ ٱدۡخُلُواْ مِصۡرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ} (99)

قوله تعالى : { فلما دخلوا على يوسف آوى إليه } ، أي : ضم إليه ، { أبويه } ، قال أكثر المفسرين : هو أبوه وخالته ليا ، وكانت أمه راحيل قد مات في نفاس بنيامين . وقال الحسن : هو أبوه وأمه ، وكانت حية . وفي بعض التفاسير أن الله عز وجل أحيا أمه حتى جاءت مع يعقوب إلى مصر { وقال ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين } فإن قيل : فقد قال ( فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه ) فكيف قال : ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين بعدما أخبر أنهم دخلوها ؟ وما وجه هذا الاستثناء وقد حصل الدخول ؟ قيل : إن يوسف إنما قال لهم هذا القول حين تلقاهم قبل دخولهم مصر . وفي الآية تقديم وتأخير ، والاستثناء يرجع إلى الاستغفار وهو من قول يعقوب لبنيه { سوف أستغفر لكم ربي } إن شاء الله . وقيل : الاستثناء يرجع إلى الأمن من الجواز لأنهم كانوا لا يدخلون مصر قبله إلا بجواز من ملوكهم ، يقول : آمنين من الجواز إن شاء الله تعالى ، كما قال : { لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين } [ الفتح-27 ] . وقيل : " إن " هاهنا بمعنى إذ ، يريد : إذ شاء الله ، كقوله تعالى : { وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين } [ آل عمران-139 ] . أي : إذ كنتم مؤمنين .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ ءَاوَىٰٓ إِلَيۡهِ أَبَوَيۡهِ وَقَالَ ٱدۡخُلُواْ مِصۡرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ} (99)

ويمضي السياق في مفاجآت القصة . فيطوي الزمان والمكان ، لنلتقي في المشهد النهائي المؤثر المثير :

( فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه . وقال : ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين . ورفع أبويه على العرش ، وخروا له سجدا ، وقال : يا أبت ، هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا ، وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو ، من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي . إن ربي لطيف لما يشاء ، إنه هو العليم الحكيم ) . .

ويا له من مشهد ! بعد كر الأعوام وانقضاء الأيام . وبعد اليأس والقنوط . وبعد الألم والضيق . وبعد الامتحان والابتلاء . وبعد الشوق المضني والحزن الكامد واللهف الضاميء الشديد .

يا له من مشهد حافل بالانفعال والخفقات والفرح والدموع !

ويا له من مشهد ختامي موصول بمطلع القصة : ذلك في ضمير الغيب وهذا في واقع الحياة . ويوسف بين هذا كله يذكر الله ولا ينساه :

( فلما دخلوا على يوسف آوى إليه أبويه ، وقال : ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين ) .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ ءَاوَىٰٓ إِلَيۡهِ أَبَوَيۡهِ وَقَالَ ٱدۡخُلُواْ مِصۡرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ} (99)

طوى ذكر سفرهم من بلادهم إلى دخولهم على يوسف عليه السلام إذ ليس فيه من العبر شيء .

وأبواه أحدهما يعقوب عليه السلام وأما الآخر فالصحيح أن أم يوسف عليه السلام وهي ( راحيل ) توفيت قبل ذلك حين ولدت بنيامين ، ولذلك قال جمهور المفسّرين : أطلق الأبوان على الأب زوج الأب وهي ( ليئة ) خالة يوسف عليه السلام وهي التي تولت تربيته على طريقة التغليب والتنزيل .

وإعادة اسم يوسف عليه السلام لأجل بعد المعاد .

وقوله : { ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين } جملة دعائية بقرينة قوله : { إن شاء الله } لكونهم قد دخلوا مصر حينئذٍ . فالأمر في { ادخلوا } للدعاء كالذي في قوله تعالى : { ادخلوا الجنة لا خوف عليكم } [ الأعراف : 49 ] .

والمقصود : تقييد الدخول بآمنين } وهو مناط الدعاء .

والأمنُ : حالة اطمئنان النفس وراحة البال وانتفاء الخوف من كل ما يخاف منه ، وهو يجمع جميع الأحوال الصالحة للإنسان من الصحة والرزق ونحو ذلك . ولذلك قالوا في دعوة إبراهيم عليه السلام { ربّ اجعل هذا البلد آمناً } إنه جمع في هذه الجملة جميع ما يطلب لخير البلد .

وجملة { إن شاء الله } تأدب مع الله كالاحتراس في الدعاء الوارد بصيغة الأمر وهو لمجرد التيمّن ، فوقوعه في الوعد والعزم والدعاءِ بمنزلة وقوع التسمية في أول الكلام وليس هو من الاستثناء الوارد النهي عنه في الحديث : أن لا يقول اغفر لي إن شئت ، فإنه لا مُكره له لأن ذلك في الدعاء المخاطب به الله صراحة . وجملة { إن شاء الله } معترضة بين جملة { ادخلوا } والحال من ضميرها .