فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَىٰ يُوسُفَ ءَاوَىٰٓ إِلَيۡهِ أَبَوَيۡهِ وَقَالَ ٱدۡخُلُواْ مِصۡرَ إِن شَآءَ ٱللَّهُ ءَامِنِينَ} (99)

{ فلما دخلوا على يوسف } لعل في الكلام محذوفا مقدرا وهو فرحل يعقوب وأولاده وأهله إلى مصر فلما دخلوا على يوسف عليه السلام وهم يومئذ اثنان وسبعون ما بين رجل وامرأة .

وقال مسروق : كانوا ثلاثة وسبعين قيل وكان دخولهم يوم عاشوراء ، وكانوا حين خرجوا من مصر مع موسى ستمائة ألف وخمسمائة وبضعة وسبعين رجلا سوى الذرية والهرمى وكانت الذرية ألف ألف ومائتي ألف ، قاله القرطبي فقد بورك فيهم كثيرا حتى بلغوا هذا العدد في مدة موسى مع أن بينه وبين يوسف عليه السلام أربعمائة سنة كما في التحبير .

قال أبو هريرة : دخل يعقوب مصر في ملك يوسف عليه السلام وهو ابن مائة وثلاثين سنة وعاش في ملكه ثلاثين سنة ومات يوسف عليه السلام وهو ابن مائة وعشرين سنة قال أبو هريرة : وبلغني أنه كان عمر إبراهيم خليل الله مائة وخمسة وتسعين سنة .

{ آوى إليه أبويه } أي ضمهما وأنزلهما عنده ، قال المفسرون المراد بالأبوين هنا يعقوب وزوجته خالة يوسف عليه السلام لأن أمه قد ماتت في ولادتها لأخيه بنيامين ، وقيل أحيى الله له أمه تحقيقا للرؤيا حتى سجدت له ، وبه قال قتادة وسفيان بن عيينة .

قال الخازن : والأول هو المعتمد وهذا مبني على أنه تزوج راحيل في حياة أختها ليا ، قال الحفناوي وهذا قول ضعيف وأن الراجح أن ليا ماتت قبل أن يتزوج راحيل وعلى هذا فلعله كانت لها أخت ثالثة تزوجها يعقوب بعدهما وأدركت هذه القضية انتهى ، وقيل كانت أمه باقية فلا حاجة إلى التأويل وهو الأولى بظاهر النظم القرآني .

{ وقال ادخلوا مصر } أي للإقامة بها { إن شاء الله آمنين } على أنفسكم وأهليكم مما تكرهونه من القحط وأصناف المكاره ، وقد كانوا فيما مضى يخافون ملوك مصر ولا يدخلونها إلا بجوار منهم وقيل والتقييد بالمشيئة عائد إلى الدخول مع الأمن ولا مانع من عوده إلى الجميع لأن دخولهم لا يكون إلا بمشيئة الله سبحانه كما أنهم لا يكونون آمنين إلا بمشيئته .

وقيل إن التقيد بالمشيئة راجع إلى قوله عليه السلام : سوف أستغفر لكم ربي ، وهو بعيد جدا وظاهر النظم القرآني أن يوسف عليه السلام قال لهم هذه المقالة أعني ادخلوا مصر قبل دخولهم وقد قيل في توجيه ذلك أنه تلقاهم إلى خارج مصر فوقف منتظرا لهم في مكان أو خيمة فدخلوا عليه فآوى إليه أبويه وقال ادخلوا مصر ، فلما دخلوا مصر دخلوا عليه دخولا آخر في المكان الذي له بمصر فهذا الدخول غير الأول .

ولمصر فضائل كثيرة ذكرها المقريزي في الخطط منها أن الله عز وجل ذكرها في كتابه العزيز بضعا وعشرين مرة تارة بصريح الذكر وتارة إيماء وقال ابن عباس سميت مصر بالأرض كلها في عشرة مواضع من القرآن وقد جاء في فضل مصر أحاديث أوردها المقريزي في تاريخه ، ومن أراد أن يذكر الفردوس أو ينظر إلى مثلها في الدنيا فلينظر إلى أرض مصر حين يخضر زرعها وتنور ثمارها ومن شاء أن يطلع على مواقع مصر ومجرياتها فعليه أن ينظر في الخطط وفي حسن المحاضرة للسيوطي .