قوله تعالى : { أفبهذا الحديث } يعني القرآن ، { أنتم } ، يا أهل مكة ، { مدهنون } قال ابن عباس : مكذبون . وقال مقاتل بن حيان : كافرون ، نظيره : { ودوا لو تدهن فيدهنون }( القلم- 9 ) ، والمدهن والمداهن : الكذاب والمنافق ، وهو من الإدهان ، وهو الجري في الباطن على خلاف الظاهر ، هذا أصله ، ثم قيل للمكذب : مدهن ، وإن صرح بالتكذيب والكفر .
ثم يأتي الإيقاع الأخير في السورة . . لحظة الموت . . اللمسة التي ترجف لها الأوصال . واللحظة التي تنهي كل جدال . واللحظة التي يقف فيها الحي بين نهاية طريق وبداية طريق . حيث لا يملك الرجوع ولا يملك النكوص :
( أفبهذا الحديث أنتم مدهنون ? وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون . فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون . ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون . فلولا إن كنتم غير مدينين . ترجعونها إن كنتم صادقين ) . .
أفأنتم شاكون في هذا الحديث الذي يقال لكم عن النشأة الآخرة ؛ مكذبون بالقرآن وما يقصه عليكم من شأن الآخرة ، وما يقرره لكم من أمور العقيدة ?
وقوله عز وجل : { أفبهذا الحديث أنتم مدهنون } مخاطبة للكفار ، و { الحديث } المشار إليه هو القرآن المتضمن البعث ، وإن الله تعالى خالق الكل وإن ابن آدم مصرف بقدره وقضائه وغير ذلك و : { مدهنون } معناه : يلاين بعضكم بعضاً ويتبعه في الكفر ، مأخوذ من الدهن للينه وإملاسه . وقال أبو قيس بن الأسلت :
الحزم والقوة خير من ال *** إدهان والفهة والهاع{[10936]}
وقال ابن عباس : هو المهاودة فيما لا يحل . والمداراة هي المهاودة فيما يحل ، وقال ابن عباس : { مدهنون } مكذبون .
الفاء تفريع على ما سِيق لأجله الكلام الذي قبلها في غرضه من التنويه بشأن القرآن ، وهو الذي بِحذو الفاء ، أو من إثبات البعث والجزاء وهو الذي حواه معظم السورة ، وكان التنويهُ بالقرآن من مسبَّبَاته .
وأطبق المفسرون عدا الفخر على أن اسم الإشارة وبيانه بقوله : { فبهذا الحديث } مشير إلى القرآن لمناسبة الانتقال من التنويه بشأنه إلى الإِنكار على المكذبين به . فالتفريع على قوله : { إنه لقرآن كريم } [ الواقعة : 77 ] الآية .
والمراد ب { الحديث } إخبار الله تعالى بالقرآن وإرادة القرآن من مثل قوله : { أفبهذا الحديث } واردة في القرآن ، أي في قوله في سورة القلم ( 44 ) { فذرني ومن يكذب بهذا الحديث } وقوله في سورة النجم ( 59 ) { أفمن هذا الحديث تعجبون } ويكون العدول عن الإضمار إلى اسم الإشارة بقوله : { أفبهذا الحديث } دون أن يقول : أفَبِهِ أنتم مُدْهنون ، إخراجاً للكلام على خلاف مقتضى الظاهر لتحصل باسم الإشارة زيادة التنويه بالقرآن .
وأما الفخر فجعل الإِشارة من قوله : { أفبهذا الحديث } إشارة إلى ما تحدثوا به من قبل في قوله تعالى : { وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً إنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون } [ الواقعة : 47 ، 48 ] ، فإن الله رد عليهم ذلك بقوله : { قل إن الأولين والآخرين } [ الواقعة : 49 ] الآية . وبين أن ذلك كله إخبار من الله بقوله : { إنه لقرآن كريم } [ الواقعة : 77 ] ثم عاد إلى كلامهم فقال : أفبهذا الحديث الذي تتحدثون به أنتم مدهنون لأصحابكم اه ، أي على معنى قوله تعالى : { وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثاناً مودة بينكم في الحياة الدنيا } [ العنكبوت : 25 ] .
وإنه لكلام جيّد ولو جَعل المراد من ( هذا الحديث ) جميع ما تقدم من أول السورة أصلاً وتفريعاً ، أي من هذا الكلام الذي قرع أسماعكم ، لكان أجود . وإطلاق الحديث على خبر البعث أوضح لأن الحديث يراد به الخبر الذي صار حديثاً للقوم .
والتعريف في { الحديث } على كلا التفسيرين تعريف العهد .
والمُدهِن : الذي يُظهر خلاف ما يبطن ، يقال : أدهن ، ويقال : دَاهنَ ، وفسر أيضاً بالتهاون وعدم الأخذ بالحزم ، وفسر بالتكذيب .
والاستفهام على كل التفاسير مستعمل في التوبيخ ، أي كلامكم لا ينبغي إلا أن يكون مداهنة كما يقال لأحد قال كلاماً باطلاً : أتهزأ ، أي قد نهض برهان صدق القرآن بحيث لا يكذب به مكذب إلا وهو لا يعتقد أنه كذب لأن حصول العلم بما قام عليه البرهان لا يستطيع صاحبُه دفعه عن نفسه ، فليس إصراركم على التكذيب بعد ذلك إلا مداهنة لقومكم تخشون إن صدّقتم بهذا الحديث أن تزول رئاستكم فيكون في معنى قوله تعالى : { فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } [ الأنعام : 33 ] .
وعلى تفسير { مدهنون } بمعنى الإِلانة ، فالمعنى : لا تتراخوا في هذا الحديث وتدبروه وخذوا بالفور في اتباعه .
وإن فسر { مدهنون } بمعنى : تكذبون ، فالمعنى واضح .
وتقديم المجرور للاهتمام ، وصوغ الجملة الاسمية في { أنتم مدهنون } لأن المقرّر عليه إدْهان ثابت مستمرّ .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.