اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَفَبِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِ أَنتُم مُّدۡهِنُونَ} (81)

قوله : { أفبهذا الحديث } متعلق بالخبر ، وجاز تقديمه على المبتدأ ؛ لأن عامله يجوز فيه ذلك ، والأصل : أفأنتم مدهنون بهذا الحديث ، وهو القرآن .

ومعنى «مُدْهِنُون » أي : متهاونون كمن يدهن في الأمر ، أي : يلين جانبه ، ولا يتصلب فيه تهاوناً به ، يقال : أدهن فلان ، أي : لاين وهاود فيما لا يجمل عنه المدهن{[55109]} .

قال أبو قيس بن الأسلت : [ السريع ]

الحَزْمُ والقُوَّةُ خَيْرٌ من الْ *** إدْهَانِ والفَهَّةِ والهَاعِ{[55110]}

وقال الراغب{[55111]} : والإدهان في الأصل مثل التدهين ، لكن جعل عبارة عن المداراة والملاينة وترك الجدّ ، كما جعل التَّقريد وهو نزع القراد عبارة عن ذلك .

قال القرطبي{[55112]} : «وأدهن وداهن واحد ، وقال قوم : داهنت بمعنى واريت ، وأدهنت بمعنى غششت » .

قال ابن عبَّاس : «مُدْهِنُون » أي : مكذبون . وهو قول عطاء وغيره{[55113]} .

والمدهن : الذي ظاهره خلاف باطنه ، كأنه شبّه بالدهن في سهولة ظاهره .

وقال مقاتل بن سليمان وقتادة : «مدهنون » كافرون ، نظيره : { وَدُّواْ لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ }{[55114]} [ القلم : 9 ] .

وقال المؤرِّج : المدهن : المنافق الذي يلين جانبه ليُخفي كفره .

والإدْهَان والمُداهنَة : التكذيب والكفر والنِّفاق .

وقال الضحاك : «مُدْهنون » معرضون{[55115]} .

وقال مجاهد : مُمَالِئُون الكُفَّار على الكفر به{[55116]} .

وقال ابن كيسان : المدهن : الذي لا يعقل ما حق الله عليه ، ويدفعه بالعللِ .

وقال بعض اللغويين : «مُدْهنون » : تاركُون للجزمِ في قبول القرآن .


[55109]:ينظر: الدر المصون 6/268.
[55110]:ينظر ديوانه ص 79، وسمط اللالئ ص 837، والأمالي للقالي 2/215، والمخصص لابن سيده 3/65، والمفردات في غريب القرآن ص 74، والتاج 9/205، (رهن)، والقرطبي 17/147، والدر المصون 6/268.
[55111]:ينظر: المفردات.
[55112]:ينظر: الجامع لأحكام القرآن 17/147.
[55113]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (11/661) عن ابن عباس والضحاك وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/223) عن ابن عباس وزاد نسبته إلى ابن أبي حاتم.
[55114]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (17/147).
[55115]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (17/147).
[55116]:أخرجه الطبري في "تفسيره" (12/661) وذكره السيوطي في "الدر المنثور" (6/233) وزاد نسيته إلى عبد بن حميد وابن المنذر.