نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{أَفَبِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِ أَنتُم مُّدۡهِنُونَ} (81)

ولما أفصح{[62272]} من وصف هذا الكتاب العظيم ما يقتضي أن يكون بمجرده مثبتاً {[62273]}لما لا{[62274]} تدركه العقول من كماله وكافياً في الإذعان لاعتقاده فكيف إذا كان ما تحكم العقول وتقضي بفساد ما سواه ، فكيف إذا كان مما يتذكر الإنسان مثله في نفسه ، عجب منهم في جعله سبباً لإنكار البعث الذي إذا ذكر الإنسان أحوال نفسه كفاه ذلك في الجزم به فقال منكراً تعجباً : { أفبهذا } ولما كان الإنسان مغرماً بما يجدد له من النعم ولو هان فكيف إذا كان أعلى النعم قال : { الحديث } أي الذي تقدمت أوصافه العالية وهو متجدد إليكم إنزاله وقتاً بعد وقت { أنتم } أي وأنتم العرب الفصحاء والمفوهون البلغاء { مدهنون * } أي كذابون منافقون بسببه تظهرون غير ما تبطنون أنه كذاب{[62275]} وأنتم تعلمون صدقه بحسن معانيه ، وعجزكم عن مماثلته في نظومه ومبانيه ، وتقولون : لو شئنا لقلنا مثل هذا : وجميع أفعالكم تخالف هذا فإنكم تصبرون لوقع السيوف ومعانقة الحتوف ، ولا تأتون بشيء يعارضه يبادئ شيئاً منه أو يناقضه أو تلاينون أيها المؤمنون من يكذب به ويطعن في علاه أو يتوصل ولو على وجه خفي إلى نقض شيء{[62276]} من عراه ، تهاوناً به ولا يتصلبون في تصرفه{[62277]} تعظيماً لأمره حتى يكونوا أصلب من الحديد ، قال في القاموس : دهن : نافق ، و{[62278]} {[62279]}المداهنة : إظهار خلاف ما تبطن كالإدهان والغش ، وقال البغوي رحمه{[62280]} الله : هو الإدهان وهو الجري في الباطن على خلاف الظاهر ، وقال الرازي : والفرق بين المداراة والمداهنة يرجع إلى القصد ، فما قصد به غرض سوى الله فهو المداهنة ، وما قصد به أمر يتعلق بالدين فهو المداراة ، وقال ابن برجان : الإدهان والمداهنة : الملاينة في الأمور والتغافل والركون إلى التجاوز - انتهى . فهو على هذا إنكار على من سمع أحداً يتكلم في القرآن بما لا يليق ثم لا يجاهره بالعداوة ، وأهل الاتحاد كابن عربي الطائي صاحب الفصوص وابن الفارض صاحب التائية أول من صوبت{[62281]} إليه هذه الآية ، فإنهم تكلموا في القرآن على وجه يبطل الدين أصلاً ورأساً ويحله عروة عروة ، فهم أضر الناس على هذا الدين ، ومن يؤول لهم أو ينافح عنهم ويعتذر لهم أو يحسن الظن بهم مخالف لإجماع الأمة أنجس حالاً منهم فإن{[62282]} مراده إبقاء كلامهم الذي لا أفسد للإسلام منه من غير{[62283]} أن يكون لإبقائه مصلحة{[62284]} ما بوجه من الوجوه .


[62272]:- من ظ، وفي الأصل: اتضح.
[62273]:- من ظ، وفي الأصل: لمدركه.
[62274]:- من ظ، وفي الأصل: لمدركه.
[62275]:- من ظن، وفي الأصل: كذب.
[62276]:- من ظ، وفي الأصل: بعض.
[62277]:- من ظ، وفي الأصل: نصرته.
[62278]:- زيد من ظ.
[62279]:- في ظ: تضمر.
[62280]:- راجع المعالم بهامش اللباب 7/ 22.
[62281]:- من ظ، وفي الأصل: صوب.
[62282]:- من ظ، وفي الأصل: فإنه.
[62283]:- زيد من ظ.
[62284]:- من ظ، وفي الأصل: بمصلحة.