معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَأَنۡ أَلۡقِ عَصَاكَۚ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهۡتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنّٞ وَلَّىٰ مُدۡبِرٗا وَلَمۡ يُعَقِّبۡۚ يَٰمُوسَىٰٓ أَقۡبِلۡ وَلَا تَخَفۡۖ إِنَّكَ مِنَ ٱلۡأٓمِنِينَ} (31)

قوله تعالى : { وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز } تتحرك ، { كأنها جان } وهي الحية الصغيرة من سرعة حركتها ، { ولى مدبراً } هارباً منها ، { ولم يعقب } لم يرجع ، فنودي : { يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين* }

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَأَنۡ أَلۡقِ عَصَاكَۚ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهۡتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنّٞ وَلَّىٰ مُدۡبِرٗا وَلَمۡ يُعَقِّبۡۚ يَٰمُوسَىٰٓ أَقۡبِلۡ وَلَا تَخَفۡۖ إِنَّكَ مِنَ ٱلۡأٓمِنِينَ} (31)

29

واستطرد النداء العلوي يلقي إلى عبده التكليف :

( وأن ألق عصاك ) . .

وألقى موسى عصاه إطاعة لأمر مولاه ؛ ولكن ماذا ? إنها لم تعد عصاه التي صاحبها طويلا ، والتي يعرفها معرفة اليقين . إنها حية تدب في سرعة ، وتتحرك في خفة ، وتتلوى كصغار الحيات وهي حية كبرى :

( فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب ) . .

إنها المفاجأة التي لم يستعد لها ؛ مع الطبيعة الانفعالية ، التي تأخذها الوهلة الأولى . . ( ولى مدبرا ولم يعقب )ولم يفكر في العودة إليها ليتبين ماذا بها ؛ وليتأمل هذه العجيبة الضخمة . وهذه هي سمة الانفعاليين البارزة تتجلى في موعدها !

ثم يستمع إلى ربه الأعلى :

( يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين ) . .

إن الخوف والأمن يتعاقبان سريعا على هذه النفس ، ويتعاورانها في مراحل حياتها جميعا . إنه جو هذه الحياة من بدئها إلى نهايتها ؛ وإن هذا الانفعال الدائم لمقصود في تلك النفس ، مقدر في هذه الحياة ، لأنه الصفحة المقابلة لتبلد بني إسرائيل ، ومرودهم على الاستكانة ذلك الأمد الطويل . وهو تدبير القدرة وتقديرها العميق الدقيق .

( أقبل ولا تخف إنك من الآمنين ) . .

وكيف لا يأمن من تنقل يد القدرة خطاه ، ومن ترعاه عين الله ?

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَأَنۡ أَلۡقِ عَصَاكَۚ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهۡتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنّٞ وَلَّىٰ مُدۡبِرٗا وَلَمۡ يُعَقِّبۡۚ يَٰمُوسَىٰٓ أَقۡبِلۡ وَلَا تَخَفۡۖ إِنَّكَ مِنَ ٱلۡأٓمِنِينَ} (31)

وقوله : { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ } أي : التي في يدك . كما قرره على ذلك في قوله : { وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى } [ طه : 17 ، 18 ] . والمعنى : أما هذه عصاك التي تعرفها ألقها { فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى } فعرف وتحقق أن الذي يخاطبه ويكلمه هو الذي يقول للشيء : كن ، فيكون . كما تقدم بيان ذلك في سورة " طه " .

وقال هاهنا : { فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ } أي : تضطرب { كَأَنَّهَا جَانٌّ } أي : في حركتها السريعة مع عظم خَلْق قوائمها{[22309]} واتساع فمها ، واصطكاك أنيابها وأضراسها ، بحيث لا تمر بصخرة إلا ابتلعتها ، فتنحدر في فيها تتقعقع ، كأنها حادرة في واد . فعند ذلك { وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ } أي : ولم يكن يلتفت ؛ لأن طبع البشرية ينفر من ذلك . فلما قال الله له : { يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الآمِنِينَ } ، رجع فوقف في مقامه الأول .


[22309]:- في ت : "عظم خلقها" وفي ف : "عظم خلقتها".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَأَنۡ أَلۡقِ عَصَاكَۚ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهۡتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنّٞ وَلَّىٰ مُدۡبِرٗا وَلَمۡ يُعَقِّبۡۚ يَٰمُوسَىٰٓ أَقۡبِلۡ وَلَا تَخَفۡۖ إِنَّكَ مِنَ ٱلۡأٓمِنِينَ} (31)

ثم أمره الله تعالى ، بإلقاء العصا ، فألقاها فانقلبت حية عظيمة ولها اضطراب «الجانّ » وهو صغير الحيات فجمعت هول الثعبان ونشاط الجانّ ، هذا قول بعضهم ، وقالت فرقة : بل «الجانّ » يعم الكبير والصغير وإنما شبه ب «الجان » جملة العصا لاضطرابها فقط ، وولى موسى عليه السلام فزعاً منها ، { ولم يعقب } ، معناه لم يرجع على عقبه ، من توليه فقال الله تعالى { يا موسى أقبل } فأقبل وقد آمن بتأمين الله إياه .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَأَنۡ أَلۡقِ عَصَاكَۚ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهۡتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنّٞ وَلَّىٰ مُدۡبِرٗا وَلَمۡ يُعَقِّبۡۚ يَٰمُوسَىٰٓ أَقۡبِلۡ وَلَا تَخَفۡۖ إِنَّكَ مِنَ ٱلۡأٓمِنِينَ} (31)

و{ أن ألق } هنا و { ألق } هناك [ النمل : 10 ] ، و { اسلك } هنا { وأدخل هناك } [ النمل : 12 ] . وتلك المخالفة تفنن في تكرير القصة لتجدد نشاط السامع لها ، وإلا زيادة { من شاطىء الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة } وهذا واد في سفح الطور . وشاطئه : جانبه وضفته .

ووصف الشاطىء بالأيمن إن حمل الأيمن على أنه ضد الأيسر فهو أيمن باعتبار أنه واقع على يمين المستقبل القبلة على طريقة العرب من جعل القبلة هي الجهة الأصلية لضبط الواقع وهم ينعتون الجهات باليمين واليسار يريدون هذا المعنى قال امرؤ القيس :

على قطن بالشيم أيمن صوبه *** وأيسره على الستار فيذبل

وعلى ذلك جرى اصطلاح المسلمين في تحديد المواقع الجغرافية ومواقع الأرضين ، فيكون الأيمن يعني الغربي للجبل ، أي جهة مغرب الشمس من الطور . ألا ترى أنهم سموا اليمن يمناً لأنه على يمين المستقبل باب الكعبة وسموا الشام شاماً لأنه على شآم المستقبل لبابها ، أي على شماله ، فاعتبروا استقبال الكعبة ، وهذا هو الملائم لقوله الآتي { وما كنت بجانب الغربي } [ القصص : 44 ] .

وأما جعله بمعنى الأيمن لموسى فلا يستقيم مع قوله تعالى { وواعدناكم جانب الطور الأيمن } [ طه : 80 ] فإنه لم يجر ذكر لموسى هناك .

وإن حمل على أنه تفضيل من اليُمن وهو البركة فهو كوصفه ب { المقدس } في سورة [ النازعات : 16 ] { إذ ناداه ربه بالوادِي المقدس طُوى } .

و { البقعة } بضم الباء ويجوز فتحها هي القطعة من الأرض المتميزة عن غيرها . و { المباركة } لما فيها من اختيارها لنزول الوحي على موسى .

وقوله { من الشجرة } يجوز أن يتعلق بفعل { نُودِي } فتكون الشجرة مصدر هذا النداء وتكون { من } للابتداء ، أي سمع كلاماً خارجاً من الشجرة . ويجوز أن يكون ظرفاً مستقراً نعتاً ثانياً للواد أو حالاً فتكون { من } اتصالية ، أي متصلاً بالشجرة ، أي عندها ، أي البقعة التي تتصل بالشجرة .

والعريف في { الشجرة } تعريف الجنس وعدل عن التنكير للإشارة إلى أنها شجرة مقصودة وليس التعريف للعهد إذ لم يتقدم ذكر الشجرة ، والذي في التوراة أن تلك الشجرة كانت من شجر العُلَّيق ( وهو من شجر العضاه ) وقيل : هي عوسجة والعوسج من شجر العضاه أيضاً . وزيادة { أقبل } وهي تصريح بمضمون قوله { لا تخف } في سورة [ النمل : 10 ] لأنه لما أدبر خوفاً من الحية كان النهي عن الخوف يدل على معنى طلب إقباله فكان الكلام هنالك إيجازاً وكان هنا مساواة تفنناً في حكاية القصتين ، وكذلك زيادة { إنك من الآمنين } هنا ولم يحك في سورة النمل وهو تأكيد لمفاد { ولا تخف } . وفيه زيادة تحقيق أمنه بما دل عليه التأكيد ب ( إن ) وجعله من جملة الآمنين فإنه أشد في تحقيق الأمن من أن يقال : إنك آمن كما تقدم في قوله تعالى { أن أكون من الجاهلين } في سورة [ البقرة : 67 ] .