النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{وَأَنۡ أَلۡقِ عَصَاكَۚ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهۡتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنّٞ وَلَّىٰ مُدۡبِرٗا وَلَمۡ يُعَقِّبۡۚ يَٰمُوسَىٰٓ أَقۡبِلۡ وَلَا تَخَفۡۖ إِنَّكَ مِنَ ٱلۡأٓمِنِينَ} (31)

قوله تعالى : { وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ . . . } الآية وإنما أمره بإلقاء عصاه في هذا الحال ليكون برهاناً عنده بأن الكلام الذي سمعه كلام الله ثم ليكون برهاناً له إلى من يرسل إليه من فرعون وملئه .

فإن قيل : فإذا كانت برهاناً إليه وبرهاناً له فلم ولَّى منها هارباً ؟

قيل لأمرين :

أحدهما : رأى ما خالف العادة فخاف .

الثاني : أنه يجوز أن يظن الأمر بإلقائها لأجل أذاها فولَّى هارباً حتى نودي فعلم .

{ . . . ولَمْ يُعَقِّبْ } فيه وجهان :

أحدهما : ولم يثبت ، اشتقاقاً من العقب الذي يثبت القدم .

الثاني : ولم يتأخر لسرعة مبادرته .

ويحتمل ثالثاً : أي لم يلتفت إلى عقبه لشدة خوفه وسرعة هربه .

{ يَا مُوسَى أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مَنَ الآمِنِينَ } فيه وجهان :

أحدهما : الآمنين من الخوف .

الثاني : من المرسلين لقوله تعالى : { إِنِّي لاَ يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ } . قال ابن بحر : فصار على هذا التأويل رسولاً بهذا القول . وعلى التأويل الأول يصير رسولاً بقوله : { فَذَانِكَ بُرْهَاناَنِ مِنَ رَبِّكَ إلَى فِرْعَونَ وَمَلإئْهِ } والبرهانان اليد والعصا .