في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{وَأَنۡ أَلۡقِ عَصَاكَۚ فَلَمَّا رَءَاهَا تَهۡتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنّٞ وَلَّىٰ مُدۡبِرٗا وَلَمۡ يُعَقِّبۡۚ يَٰمُوسَىٰٓ أَقۡبِلۡ وَلَا تَخَفۡۖ إِنَّكَ مِنَ ٱلۡأٓمِنِينَ} (31)

29

واستطرد النداء العلوي يلقي إلى عبده التكليف :

( وأن ألق عصاك ) . .

وألقى موسى عصاه إطاعة لأمر مولاه ؛ ولكن ماذا ? إنها لم تعد عصاه التي صاحبها طويلا ، والتي يعرفها معرفة اليقين . إنها حية تدب في سرعة ، وتتحرك في خفة ، وتتلوى كصغار الحيات وهي حية كبرى :

( فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب ) . .

إنها المفاجأة التي لم يستعد لها ؛ مع الطبيعة الانفعالية ، التي تأخذها الوهلة الأولى . . ( ولى مدبرا ولم يعقب )ولم يفكر في العودة إليها ليتبين ماذا بها ؛ وليتأمل هذه العجيبة الضخمة . وهذه هي سمة الانفعاليين البارزة تتجلى في موعدها !

ثم يستمع إلى ربه الأعلى :

( يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين ) . .

إن الخوف والأمن يتعاقبان سريعا على هذه النفس ، ويتعاورانها في مراحل حياتها جميعا . إنه جو هذه الحياة من بدئها إلى نهايتها ؛ وإن هذا الانفعال الدائم لمقصود في تلك النفس ، مقدر في هذه الحياة ، لأنه الصفحة المقابلة لتبلد بني إسرائيل ، ومرودهم على الاستكانة ذلك الأمد الطويل . وهو تدبير القدرة وتقديرها العميق الدقيق .

( أقبل ولا تخف إنك من الآمنين ) . .

وكيف لا يأمن من تنقل يد القدرة خطاه ، ومن ترعاه عين الله ?