قال الله تعالى { سيهزم الجمع } قرأ يعقوب : سنهزم بالنون ، الجمع نصب ، وقرأ الآخرون بالياء وضمها ، الجمع رفع على غير تسمية الفاعل ، يعني : كفار مكة ، { ويولون الدبر } يعني : الأدبار فوحد لأجل رؤوس الآي ، كما يقال ضربنا منهم الرؤوس وضربنا منهم الرأس إذا كان الواحد يؤدي معنى الجمع ، أخبر الله أنهم يولون أدبارهم منهزمين فصدق الله وعده وهزمهم يوم بدر .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أنبأنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا خالد عن عكرمة عن ابن عباس قال : " قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبته يوم بدر : اللهم إني أنشدك وعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم ، فأخذ أبو بكر بيده ، فقال : حسبك يا رسول الله ، فقد ألححت على ربك وهو في الدرع ، فخرج وهو يقول : سيهزم الجميع ويولون الدبر " .
وذلك حين يرون جمعهم فتعجبهم قوتهم ، ويغترون بتجمعهم ، فيقولون : إنا منتصرون لا هازم لنا ولا غالب ?
هنا يعلنها عليهم مدوية قاضية حاسمة :
( سيهزم الجمع ويولون الدبر ) . .
فلا يعصمهم تجمعهم ، ولا تنصرهم قوتهم . والذي يعلنها عليهم هو القهار الجبار . . ولقد كان ذلك . كما لا بد أن يكون !
قال البخاري بإسناده إلى ابن عباس - : إن النبي [ صلى الله عليه وسلم ] قال وهو في قبة له يوم بدر : " أنشدك عهدك ووعدك اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم في الأرض أبدا " . فأخذ أبو بكر رضي الله عنه بيده ، وقال : حسبك يا رسول الله ألححت على ربك ! فخرج وهو يثب في الدرع ، وهو يقول : ( سيهزم الجمع ويولون الدبر . . . ) .
وفي رواية لابن أبي حاتم بإسناده إلى عكرمة ، قال : لما نزلت( سيهزم الجمع ويولون الدبر )قال عمر : أي جمع يهزم ? أي أي جمع يغلب ? قال عمر : فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] يثب في الدرع ، وهو يقول : ( سيهزم الجمع ويولون الدبر ) . فعرفت تأويلها يومئذ !
قال الله تعالى : { سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ } أي : سيتفرق شملهم ويغلبون .
قال البخاري : حدثنا إسحاق ، حدثنا خالد ، عن خالد - وقال أيضا : حدثنا محمد ، حدثنا{[27791]} عفان بن مسلم ، عن وُهيب ، عن خالد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال - وهو في قبة له يوم بدر - : " أنشدك عهدك ووعدك ، اللهم إن شئت لم تُعبد بعد اليوم{[27792]} أبدا " . فأخذ أبو بكر ، رضي الله عنه ، بيده وقال : حسبك يا رسول الله ! ألححت على ربك . فخرج وهو يثب في الدرع وهو يقول : { سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ . بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ } .
وكذا رواه البخاري والنسائي في غير موضع ، من حديث خالد - وهو مِهْران{[27793]} الحذاء - به{[27794]} .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو الربيع الزّهرَاني ، حدثنا حماد عن أيوب ، عن عكرمة ، قال : لما نزلت { سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ } [ قال ] {[27795]} قال عمر : أيّ جمَع يهزم ؟ أيّ جَمْع يغلب ؟ قال عمر : فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع ، وهو يقول : { سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ } فعرفت تأويلها يومئذ {[27796]} .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {سيهزم الجمع} يعني جمع أهل بدر {ويولون الدبر} يعني الأدبار لا يلوون على شيء.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"أمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَميعٌ مُنْتَصِرٌ "يقول تعالى ذكره: أيقول هؤلاء الكفار من قريش: نحن جميع منتصر ممن قصدنا بسوء ومكروه، وأراد حربنا وتفريق جمعنا. فقال الله جلّ ثناؤه: سيهزم الجمع يعني جمع كفار قريش "وَيُوَلّونَ الدّبُرَ" يقول: ويولون أدبارهم المؤمنين بالله عن انهزامهم عنه... ثم إن الله تعالى ذكره صدّق وعده المؤمنين به فهزم المشركين به من قريش يوم بدر وولوهم الدّبر... عن عكرمة أن عمر قال لما نزلت "سَيُهْزَمُ الجَمْعُ" جعلت أقول: أيّ جمع يهزم؟ فلما كان يوم بدر رأيت النبيّ صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع ويقول: «سَيُهْزَمُ الجَمْعُ وَيُوَلّونَ الدّبُرَ».
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
(سيهزم الجمع) معناه إن جميعهم سيهزمون (ويولون الدبر) ولا يثبتون لقتالك، وكان كذلك فكان موافقته لما أخبر به معجزا له لأنه إخبار بالغيب قبل كونه، وانهزم المشركون يوم بدر وقتلوا وسبوا على ما هو معروف.
{سيهزم الجمع ويولون الدبر} وهو أنهم ادعوا القوة العامة بحيث يغلب كل واحد منهم محمدا صلى الله عليه وسلم والله تعالى بين ضعفهم الظاهر الذي يعمهم جميعهم.
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
{سَيُهْزَمُ الجمع} ردٌّ وإبطالٌ لذلكَ، والسينُ للتأكيدِ أي يُهزم جمعُهم البتةَ {وَيُوَلُّونَ الدبر} والتوحيدُ لإرادةِ الجنسِ أو إرادةِ أن كلّ واحدٍ منهم يولِّي دبرَه، وقد كان كذلكَ يومَ بدرٍ.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والآية: إخبار بالغيب، فإن المشركين هُزموا يوم بدر، وولوا الأدبار يومئذٍ، وولوا الأدبار في جمع آخر وهو جمع الأحزاب في غزوة الخندق ففرُّوا بليل كما مضى في سورة الأحزاب.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.