معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ لَمَسَّكُمۡ فِي مَآ أَفَضۡتُمۡ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (14)

قوله تعالى : { ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم } خضتم ، { فيه } من الإفك ، { عذاب عظيم } قال ابن عباس أي : عذاب لا انقطاع له ، يعني : في الآخرة ، لأنه ذكر عذاب الدنيا من قبل ، فقال تعالى : { والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم } وقد أصابهم فإنه جلد وحد ، وقد روت عمرة عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية حد أربعة نفر : عبد الله ابن أبي ، وحسان بن ثابت ، ومسطح بن أثاثة ، وحمنة بنت جحش " .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ لَمَسَّكُمۡ فِي مَآ أَفَضۡتُمۡ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (14)

( ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم فيما أفضتم فيه عذاب عظيم ) . .

لقد احتسبها الله للجماعة المسلمة الناشئة درسا قاسيا . فأدركهم بفضله ورحمته ولم يمسسهم بعقابه وعذابه . فهي فعلة تستحق العذاب العظيم . العذاب الذي يتناسب مع العذاب الذي سببوه للرسول [ صلى الله عليه وسلم ] وزوجه وصديقه وصاحبه الذي لا يعلم عليه إلا خيرا . والعذاب الذي يتناسب مع الشر الذي ذاع في الجماعة المسلمة وشاع ؛ ومس كل المقدسات التي تقوم عليها حياة الجماعة . والعذاب الذي يناسب خبث الكيد الذي كادته عصبة المنافقين للعقيدة لتقتلعها من جذورها حين تزلزل ثقة المؤمنين بربهم ونبيهم وأنفسهم طوال شهر كامل ، حافل بالقلق والقلقة والحيرة بلا يقين ! ولكن فضل الله تدارك الجماعة الناشئة ، ورحمته شملت المخطئين ، بعد الدرس الأليم .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ لَمَسَّكُمۡ فِي مَآ أَفَضۡتُمۡ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (14)

القول في تأويل قوله تعالى : { وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدّنْيَا وَالاَخِرَةِ لَمَسّكُمْ فِي مَآ أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ } .

يقول تعالى ذكره : وَلَوْلا فَضْلُ اللّهَ عَلَيْكُمْ أيها الخائضون في أمر عائشة ، المُشِيعُون فيها الكذب والإثم ، بتركه تعجيل عقوبتكم وَرَحْمَتُهِ إياكم ، لعفوه عنكم في الدّنْيا والاَخِرَةِ بقبول توبتكم مما كان منكم في ذلك ، لَمسّكُمْ فِيما خضتم فيه من أمرها عاجلاً في الدنيا عَذَابٌ عَظِيمٌ .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : وَلَوْلا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ هذا للذين تكلموا فنشروا ذلك الكلام ، لَمَسّكُمْ فِيما أفْضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ فِي ٱلدُّنۡيَا وَٱلۡأٓخِرَةِ لَمَسَّكُمۡ فِي مَآ أَفَضۡتُمۡ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (14)

{ لولا } هذه حرف امتناع لوجود . والفضل في الدنيا يتعين أنه إسقاط عقوبة الحد عنهم بعفو عائشة وصفوان عنهم ، وفي الآخرة إسقاط العقاب عنهم بالتوبة . والخطاب للمؤمنين دون رأس المنافقين . وهذه الآية تؤيد ما عليه الأكثر أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحد حد القذف أحداً من العصبة الذين تكلموا في الإفك . وهو الأصح من الروايات : إما لعفو عائشة وصفوان ، وإما لأن كلامهم في الإفك كان تخافتاً وسراراً ولم يجهروا به ولكنهم أشاعوه في أوساطهم ومجالسهم . وهذا الذي يشعر به حديث عائشة في الإفك في « صحيح البخاري » وكيف سمعت الخبر من أم مسطح وقولها : أَوَ قَد تحدث بهذا وبلغ النبي وأبويّ ؟ . وقيل : حد حسان ومسطحاً وحمنة ، قاله ابن إسحاق وجماعة ، وأما عبد الله بن أبيّ فقال فريق : إنه لم يحد حد القذف تأليفاً لقلبه للإيمان . وعن ابن عباس أن أبيّاً جلد حد القذف أيضاً .

والإفاضة في القول مستعار من إفاضة الماء في الإناء ، أي كثرته فيه . فالمعنى : ما أكثرتم القول فيه والتحدث به بينكم .