ثم قال تعالى : { تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق } أي : بالصدق الذي لا ريب فيها المتضمن للاعتبار والاستبصار وبيان حقائق الأمور { وإنك لمن المرسلين } فهذه شهادة من الله لرسوله برسالته التي من جملة أدلتها ما قصه الله عليه من أخبار الأمم السالفين والأنبياء وأتباعهم وأعدائهم التي لولا خبر الله إياه لما كان عنده بذلك علم بل لم يكن في قومه من عنده شيء من هذه الأمور ، فدل أنه رسول الله حقا ونبيه صدقا الذي بعثه بالحق ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون .
وفي هذه القصة من الآيات والعبر ما يتذكر به أولو الألباب ، فمنها : أن اجتماع أهل الكلمة والحل والعقد وبحثهم في الطريق الذي تستقيم به أمورهم وفهمه ، ثم العمل به ، أكبر سبب لارتقائهم وحصول مقصودهم ، كما وقع لهؤلاء الملأ حين راجعوا نبيهم في تعيين ملك تجتمع به كلمتهم ويلم متفرقهم ، وتحصل له الطاعة منهم ، ومنها : أن الحق كلما عورض وأوردت عليه الشبه ازداد وضوحا وتميز وحصل به اليقين التام كما جرى لهؤلاء ، لما اعترضوا على استحقاق طالوت للملك أجيبوا بأجوبة حصل بها الإقناع وزوال الشبه والريب . ومنها : أن العلم والرأي : مع القوة المنفذة بهما كمال الولايات ، وبفقدهما أو فقد أحدهما نقصانها وضررها . ومنها : أن الاتكال على النفس سبب الفشل والخذلان ، والاستعانة بالله والصبر والالتجاء إليه سبب النصر ، فالأول كما في قولهم لنبيهم { وما لنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا } فكأنه نتيجة ذلك أنه لما كتب عليهم القتال تولوا ، والثاني في قوله : { ولما برزوا لجالوت وجنوده قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فهزموهم بإذن الله } ومنها : أن من حكمة الله تعالى تمييز الخبيث من الطيب ، والصادق من الكاذب ، والصابر من الجبان ، وأنه لم يكن ليذر العباد على ما هم عليه من الاختلاط وعدم التمييز . ومنها : أن من رحمته وسننه الجارية أن يدفع ضرر الكفار والمنافقين بالمؤمنين المقاتلين ، وأنه لولا ذلك لفسدت الأرض باستيلاء الكفر وشعائره عليها .
ثم قال تعالى : { تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ } أي : هذه آيات الله التي قصصناها عليك من{[4263]} أمر الذين ذكرناهم بالحق أي : بالواقع الذي كان عليه الأمر ، المطابق لما بأيدي أهل الكتاب من الحق الذي يعلمه علماء بني إسرائيل { وَإِنَّكَ } يا محمد { لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ } وهذا توكيد وتوطئة للقسم .
القول في تأويل قوله تعالى : { تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقّ وَإِنّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ }
يعني تعالى ذكره بقوله : تِلْكَ آياتُ اللّهِ هذه الاَيات التي اقتصّ الله فيها أمر الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت ، وأمر الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى الذين سألوا نبيهم أن يبعث لهم طالوت ملكا وما بعدها من الاَيات إلى قوله : وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ على العالَمِينَ . ويعني بقوله : آياتُ اللّهِ حججه وأعلامه وأدلته . يقول الله تعالى ذكره : فهذه الحجج التي أخبرتك بها يا محمد ، وأعلمتك من قدرتي على إماتة من هرب من الموت في ساعة واحدة وهم ألوف ، وإحيائي إياهم بعد ذلك ، وتمليكي طالوت أمر بني إسرائيل ، بعد إذ كان سقاء أو دباغا من غير أهل بيت المملكة ، وسلبي ذلك إياه بمعصيته أمري ، وصرفي ملكه إلى داود لطاعته إياي ، ونصرتي أصحاب طالوت ، مع قلة عددهم ، وضعف شوكتهم على جالوت وجنوده ، مع كثرة عددهم ، وشدة بطشهم حُجَج على من حجد نعمتي ، وخالف أمري ، وكفر برسولي من أهل الكتابين التوراة والإنجيل ، العالمين بما اقتصصت عليك من الأنباء الخفية ، التي يعلمون أنها من عندي لم تتخرّصها ولم تتقوّلها أنت يا محمد ، لأنك أميّ ، ولست ممن قرأ الكتب ، فيلتبس عليهم أمرك ، ويدّعوا أنك قرأت ذلك فعلمته من بعض أسفارهم ، ولكنها حُجَجي عليهم أتلوها عليك يا محمد بالحقّ اليقين كما كان ، لا زيادة فيه ، ولا تحريف ، ولا تغيير شيء منه عما كان . وإنّكَ يا محمد لمن المُرْسَلين يقول : إنك لمرسل متبع في طاعتي ، وإيثار مرضاتي على هواك ، فسالك في ذلك من أمرك سبيل من قَبْلك من رسلي الذين أقاموا على أمري ، وآثروا رضاي على هواهم ، ولم تغيرهم الأهواء ، ومطامع الدنيا كما غير طالوت هواه ، وإيثاره ملكه ، على ما عندي لأهل ولايتي ، ولكنك مؤثر أمري كما آثره المرسلون الذين قبلك .
الإشارة إلى ما تضمنته القصص الماضية وما فيها من العبر ، ولكن الحكم العالية في قوله : { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض } [ البقرة : 251 ] ، وقد نَزَّلَها منزِلةَ المشاهد لوضوحها وبيانها وجعلت آيات لأنها دلائل على عظم تصرف الله تعالى وعلى سعة علمه .
وقوله : { وإنك لمن المرسلين } خطاب للرسول صلى الله عليه وسلم تنويهاً بشأنه وتثبيتاً لقلبه ، وتعريضاً بالمنكرين رسالته . وتأكيد الجملة بإنَّ للاهتمام بهذا الخبر ، وجيء بقوله ( من المرسلين ) دون أن يقول : وإنك لرسول الله ، للرد على المنكرين بتذكيرهم أنه ما كان بدْعاً من الرسل ، وأنه أرسله كما أرسل من قبله ، وليس في حاله ما ينقص عن أحوالهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.