تفسير القرآن الكريم لعبد الله شحاته - شحاته  
{تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوهَا عَلَيۡكَ بِٱلۡحَقِّۚ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (252)

آيات الله

{ تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين( 252 ) }

المعنى الإجمالي :

تلك القصة من العبر التي نقصها عليك بالصدق لتكون أسوة لك ودليلا على صدق رسالتك ، ولتعلم أننا سننصرك كما نصرنا من قبلك من الرسل .

التفسير :

{ تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق وإنك لمن المرسلين }

أي تلك الآيات التي حدثناك فيها عن قصة أولئك القوم وما جرى لهم من آيات الله التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها ، نتلوها عليك يا محمد عن طريق جبريل تلاوة ملتبسة بالحق الثابت الذي لا يحوم حوله الباطل . وإنك يا محمد لمن المرسلين أرسلك الله كما أرسلهم ومن ثم نتلو عليك هذه الآيات ونزودك بتجارب البشرية كلها في جميع عصورها ، وتجارب الموكب الإيماني كله في جميع مراحله ونورثك ميراث المرسلين .

وبعد ، فهذه القصة الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى وأن فيها لعبرا متعددة ، وعظات متنوعة ليقوم يعقلون . ومن العبر التي تؤخذ منها :

1- أن الشعور بالظلم والهوان وللابتلاء بالمحن والهزائم والوقوع تحت أيدي المعتدين كل ذلك من شأنه أن يصهر النفوس الحرة الكريمة وأن يدفعها بقوة إلى الذود عهن كرامتها المسلوبة ، وعزتها المغصوبة حتى تنال حقها ممن سلبه منها أو تموت دونه ، لأن النفوس الأبية تشعر دائما بأن الموت مع العزة خير من الحياة مع الذلة ، يدل على ذلك قوله تعالى : { ومالنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا }( البقرة : 246 ) .

2- أن الناس في كل زمان ومكان يلجئون خصوصا عندما تنزل بهم الشدائد إلى من يتوسمون فيهم الخير والصلاح ، لكي يرشدوهم إلى ما يأخذ بيدهم إلى طريق السعادة ، ولكي يهدوهم إلى أفضل السبل التي تنقذهم مما هم فيه من بلاء ، ولكي يختاروا لهم من يقودهم إلى النصر والفلاح ، ألا ترى إلى الملأ من بني إسرائيل كيف لجئوا إلى نبي لهم ليقولوا له بعد أن أصابهم من الذل ما أصابهم : { ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله } . إنهم لم يلجئوا إلى نبيهم يبثون إليه شكواهم ويطلبون منه أن يختار لهم من يقودهم للقتال في سبيل الله إلا لأنهم يرون فيه الأمل المرتجي والعقل السليم والخلق القويم والأسوة الحسنة .

3- أن القائد يجب أن تتوفر فيه صفتان : قوة العقل وقوة الجسم ، لأنه متى توافرت فيه هاتان الصفتان استطاع أن يقوم بقيادة أتباعه بنجاح ، وأنه قبل أن يلتقي بأعدائه يجب عليه أن يختبر جنده ليعرف مبلغ إيمانهم وقوتهم وطاعتهم وثباتهم ، وألا يكلفهم ما لا يستطيعونه حتى يحارب أعداء وهو على بينة من أمره . أنظر إلى طالوت كيف اختبر جنده قبل أن يخوض المعركة بأن قال لهم : { إن الله مبتليكم بنهر فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلا من اغترف غرفة واحدة بيده . . } وهكذا القواد العقلاء يقدمون على حرب عدائهم وهم على بصيرة من أمرهم .

4- أن الفئة القليلة المؤمنة كثيرا ما تنصر على الفئة الكبيرة الكافرة ، لأنة المؤمنين الصادقين يحملهم إيمانهم على اليقين بلقاء الله وعلى التضحية من أجل إعلاء كلمته ، وعلى الإقدام الذي يرعب الكافرين ويخيف الفاسقين وصدق الله إذ يقول : { كم ممن فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين } .

5- أن هزائم الأمم يمكن إزالتها متى توافر لتلك الأمم القادة العقلاء الأقوياء ، والجند الأشداء على أعدائهم الرحماء فيما بينهم ، وأن من شأن المؤمنين حقا أنهم مباشرتهم للأسباب وإحكامهم لكل ما يحتاج إليه القتال ، وإحسانكم لكل وسيلة تعينهم على النصر مع كل ذلك لا يغترون ولا يتطاولون بل يعتمدون على الله تعالى اعتمادا تاما ، ويتجهون إليه بالضراعة والدعاء ويلتمسون منه النصر على أعدائه وأعدائهم انظر إلى الصفوة المؤمنة من جند طالوت ماذا قالت عندما برزت لجالوت وجنوده لقد قالت كما حكى القرآن عنها : { ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا على القوم الكافرين*فهزموهم بإذن الله . . . }

6- أن من سنن الله في خلقه أنه سبحانه جعل الحياة صراعا دائما بين الحق والباطل ، ونزاعا موصولا بين الأخيار والأشرار ولولا أن الله يدفع بعض الناس الفاسقين ببعض الناس الصالحين لفسدت الأرض ، لأن الفاسقين لو تركوا من غير أن يدافعوا ويقاوموا لنشروا فسوقهم وفجورهم وطغيانهم في الأرض ولكنه سبحانه أعطى لعباده الصالحين من القوة والثبات ما جعلهم يقاومون الظالمين ويعملون على نشر الخير والصلاح بين الناس .

7- أن القصة الكريمة تصور لنا ما جبل عليه بنو إسرائيل من نقض العهد وكذب في القول : فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم . ومن تطاول على أنبيائهم وعصيان لأوامرهم واعتراض على توجيهاتهم وتفضيل للجاه والمال على العقل والعلم : { قالوا أنى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال } . ومن خور الابتلاء والاختبار ، وحماس في ساعة السلم ونكوص في ساعة الجد ، تأمل قوله تعالى :

{ فشربوا منه إلا قليلا منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده } .