اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{تِلۡكَ ءَايَٰتُ ٱللَّهِ نَتۡلُوهَا عَلَيۡكَ بِٱلۡحَقِّۚ وَإِنَّكَ لَمِنَ ٱلۡمُرۡسَلِينَ} (252)

قوله تعالى : { تِلْكَ آيَاتُ اللهِ } : مبتدأٌ وخبرٌ ، و " نَتْلُوهَا " فيه قولان :

أحدهما : أن تكون حالاً ، والعامل فيها معنى الإشارة .

والثاني : أن تكون مستأنفةً فلا محلَّ لها . ويجوز غير ذلك ، وهو يؤخذ مما تقدم .

قال القرطبيُّ{[4148]} : وإن شِئْتَ كان " آيَاتُ الله " بدلاً ، والخبر نتلوها عليك بالحقّ وأشير إليها إشارة البعيد لما بينا في قوله : { ذَلِكَ الْكِتَابُ } [ البقرة :2 ] أن " تلك " و " ذَلِكَ " يرجع إلى معنى هذه ، وهذا ، وأيضاً فهذه القصص لما ذكرت صارت بعد ذكرها كالشَّيء الذي انقضى ، ومضى ، فكانت في حكم الغائب ، فلهذا التأويل قال : " تِلْكَ " وأشير إليها إشارة البعيد لما تقدَّم في قوله : { ذَلِكَ الْكِتَابُ } . قوله : " بِالْحَقِّ " يجوز فيه أن يكون حالاً من مفعول " نَتْلُوها " ، أي : ملتبسةً بالحقّ ، أو من فاعله ؛ أي : نتلوها ومعنا الحقُّ ، أو من مجرور " عَلَيْكَ " ، أي : ملتبساً بالحقّ .

قوله : { وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ } . قال القرطبيُّ{[4149]} : خبر إن أي : وإنك لمرسل .

فصل

اعلم أنَّه أشار بقوله : " تِلْكَ " إلى القضيَّة المذكورة من نزول التَّابوت ، وغلب الجبابرة على يد داود ، وهو صبيٌّ فقير . ولا شكّ أنَّ هذه الأحوال آياتٌ باهرةٌ دالّة على كمال قدرة الله تعالى وحكمته ، وفي معنى قوله : " بِالْحَقِّ " وجوه :

أحدها : أنَّ المراد : أن تعتبر بها يا محمَّد أنت ، وأمتك في احتمال الشَّدائد في الجهاد ، كما احتملها المؤمنون ، فيما مضى ، وقال " نَتْلُوهَا " ، أي : يتلوها جبريل ، وأضاف ذلك إليه تشريفاً له كقوله : { إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ } ورسوله [ الفتح :10 ] .

وثانيها : " بِالْحَقِّ " أي باليقين الذي لا يشك فيه أهل الكتاب ؛ لأنه في كتبهم كذلك من غير تفاوت أصلاً .

وثالثها : أنَّا أنزلنا هذه الآيات على وجه تكون دالَّة على نبوتك بسبب ما فيها من الفصاحة والبلاغة .

ورابعها : " بِالْحَقِّ " ، أي : يجب عليك أن تعلم : أنَّ نزول هذه الآيات من قبل الله تعالى ، وليس من قبل الشياطين ، ولا تحريف الكهنة والسحرة ، وقوله عقيب ذلك : { وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ } . يحتمل وجهين :

الأول : أن إخبارك عن هذه القصص من غير تعلُّم ، ولا دراسة دليل على أنَّك رسول وإنما ذكرها وعرفها بسبب الوحي من الله تعالى .

الثاني : أن يكون المراد منه تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم . والمعنى أنك إذا عرفت بهذه الآيات ما جرى على الأنبياء من الخلاف والرد لقولهم ، فلا يعظمن عليك كفر من كفر بك ، وخلاف من خالفك ، لأنَّ لك بهم أسوة وإنَّما بعثوا لتأدية الرِّسالة على سبيل الاختبار ، فلا عتب عليك في خلافهم وكفرهم والوبال في ذلك إنَّما يرجع عليهم .


[4148]:- ينظر تفسير القرطبي 3/170.
[4149]:- ينظر: المصدر السابق.