قوله تعالى : { تِلْكَ آيَاتُ اللهِ } : مبتدأٌ وخبرٌ ، و " نَتْلُوهَا " فيه قولان :
أحدهما : أن تكون حالاً ، والعامل فيها معنى الإشارة .
والثاني : أن تكون مستأنفةً فلا محلَّ لها . ويجوز غير ذلك ، وهو يؤخذ مما تقدم .
قال القرطبيُّ{[4148]} : وإن شِئْتَ كان " آيَاتُ الله " بدلاً ، والخبر نتلوها عليك بالحقّ وأشير إليها إشارة البعيد لما بينا في قوله : { ذَلِكَ الْكِتَابُ } [ البقرة :2 ] أن " تلك " و " ذَلِكَ " يرجع إلى معنى هذه ، وهذا ، وأيضاً فهذه القصص لما ذكرت صارت بعد ذكرها كالشَّيء الذي انقضى ، ومضى ، فكانت في حكم الغائب ، فلهذا التأويل قال : " تِلْكَ " وأشير إليها إشارة البعيد لما تقدَّم في قوله : { ذَلِكَ الْكِتَابُ } . قوله : " بِالْحَقِّ " يجوز فيه أن يكون حالاً من مفعول " نَتْلُوها " ، أي : ملتبسةً بالحقّ ، أو من فاعله ؛ أي : نتلوها ومعنا الحقُّ ، أو من مجرور " عَلَيْكَ " ، أي : ملتبساً بالحقّ .
قوله : { وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ } . قال القرطبيُّ{[4149]} : خبر إن أي : وإنك لمرسل .
اعلم أنَّه أشار بقوله : " تِلْكَ " إلى القضيَّة المذكورة من نزول التَّابوت ، وغلب الجبابرة على يد داود ، وهو صبيٌّ فقير . ولا شكّ أنَّ هذه الأحوال آياتٌ باهرةٌ دالّة على كمال قدرة الله تعالى وحكمته ، وفي معنى قوله : " بِالْحَقِّ " وجوه :
أحدها : أنَّ المراد : أن تعتبر بها يا محمَّد أنت ، وأمتك في احتمال الشَّدائد في الجهاد ، كما احتملها المؤمنون ، فيما مضى ، وقال " نَتْلُوهَا " ، أي : يتلوها جبريل ، وأضاف ذلك إليه تشريفاً له كقوله : { إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ } ورسوله [ الفتح :10 ] .
وثانيها : " بِالْحَقِّ " أي باليقين الذي لا يشك فيه أهل الكتاب ؛ لأنه في كتبهم كذلك من غير تفاوت أصلاً .
وثالثها : أنَّا أنزلنا هذه الآيات على وجه تكون دالَّة على نبوتك بسبب ما فيها من الفصاحة والبلاغة .
ورابعها : " بِالْحَقِّ " ، أي : يجب عليك أن تعلم : أنَّ نزول هذه الآيات من قبل الله تعالى ، وليس من قبل الشياطين ، ولا تحريف الكهنة والسحرة ، وقوله عقيب ذلك : { وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ } . يحتمل وجهين :
الأول : أن إخبارك عن هذه القصص من غير تعلُّم ، ولا دراسة دليل على أنَّك رسول وإنما ذكرها وعرفها بسبب الوحي من الله تعالى .
الثاني : أن يكون المراد منه تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم . والمعنى أنك إذا عرفت بهذه الآيات ما جرى على الأنبياء من الخلاف والرد لقولهم ، فلا يعظمن عليك كفر من كفر بك ، وخلاف من خالفك ، لأنَّ لك بهم أسوة وإنَّما بعثوا لتأدية الرِّسالة على سبيل الاختبار ، فلا عتب عليك في خلافهم وكفرهم والوبال في ذلك إنَّما يرجع عليهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.