سميت هذه السورة { حم الدخان } . روى الترمذي بسندين ضعيفين يعضد بعضهما بعضا : عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ حم الدخان في ليلة أو في ليلة الجمعة " الحديث .
واللفظان بمنزلة اسم واحد لأن كلمة { حم } غير خاصة بهذه السورة فلا تعد علما لها ، ولذلك لم يعدها صاحب الإتقان في عداد السور ذوات أكثر من اسم .
وسميت في المصاحف وفي كتب السنة ( سورة الدخان ) .
ووجه تسميتها بالدخان وقوع لفظ الدخان فيها المراد به آية من آيات الله أيد الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم فلذلك سميت به اهتماما بشأنه ، وإن كان لفظ { الدخان } بمعنى آخر قد وقع في سورة { حم تنزيل } في قوله { ثم استوى إلى السماء وهي دخان } وهي نزلت قبل هذه السورة على المعروف من ترتيب تنزيل سور القرآن عن رواية جابر بن زيد التي اعتمدها الجعبري وصاحب الإتقان على أن وجه التسمية لا يوجبها .
وهي مكية كلها في قول الجمهور . قال ابن عطية : هي مكية لا أحفظ خلافا في شيء منها . ووقع في الكشاف استثناء قوله { إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون } ولم يعزه إلى قائل ، ومثله القرطبي ، وذكره الكواشي قولا وما عزاه إلى معين .
وأحسب أنه قول نشأ عما فهمه القائل ، وسنبينه في موضعه .
وهي السورة الثالثة والستون في عد نزول السور في قول جابر بن زيد ، نزلت بعد سورة الزخرف وقبل سورة الجاثية في مكانها هذا .
وعدت آيها ستا وخمسين عند أهل المدينة ومكة والشام ، وعدت عند أهل البصرة سبعا وخمسين ، وعند أهل الكوفة تسعا وخمسين .
أشبه افتتاح هذه السورة فاتحة سورة الزخرف من التنويه بشأن القرآن وشرفه وشرف وقت ابتداء نزوله ليكون ذلك مؤذنا أنه من عند الله ودالا على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، وليتخلص منه إلى أن المعرضين عن تدبر القرآن ألهاهم الاستهزاء واللمز عن التدبر فحق عليهم دعاء الرسول بعذاب الجوع ، إيقاظا لبصائرهم بالأدلة الحسية حين لم تنجع فيهم الدلائل العقلية ، ليعلموا أن إجابة الله دعاء رسوله صلى الله عليه وسلم دليل على أنه أرسله ليبلغ عنه مراده .
فأنذرهم بعذاب يحل بهم علاوة على ما دعا به الرسول صلى الله عليه وسلم تأييدا من الله له بما هو زائد على مطلبه .
وضرب لهم مثلا بأمم أمثالهم عصوا رسل الله إليهم فحل بهم من العقاب من شأنه أن يكون عظة لهؤلاء ، تفصيلا بقوم فرعون مع موسى ومؤمني قومه ، ودون التفصيل بقوم تبه ، وإجمالا وتعميما بالذين من قبل هؤلاء .
وإذ كان إنكار البعث وإحالته من أكبر الأسباب التي أغرتهم على إهمال التدبر في مراد الله تعالى انتقل الكلام إلى إثباته والتعريف بما يعقبه من عقوبة المعاندين ومثوبة المؤمنين ترهيبا وترغيبا .
وأدمج فيها فضل الليلة التي أنزل فيها القرآن ، أي ابتدئ إنزاله وهي ليلة القدر .
وأدمج في خلال ذلك ما جرت إليه المناسبات من دلائل الوحدانية وتأييد الله من آمنوا بالرسل ، ومن إثبات البعث .
وختمت بالشد على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم بانتظار النصر وانتظار الكافرين القهر .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
مقصودها: الإنذار من الهلكة لمن لم يقبل ما في الذكر الكريم الحكيم من الخير والبركة رحمة جعلها بين عامة خلقه مشتركة، وعلى ذلك دل اسمها الدخان إذا تؤملت آياته وإفصاح ما فيها وإشاراته.
محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :
قال المهايمي: سميت به لدلالة آيته على أنه جزاء غشيان أدخنة النفوس الخبيثة، بصائر قلوب أهلها وأرواحهم. ولذلك رأوا الدلائل شبهات الشياطين. وجعلوا المميز بينهما مجنونا. وإن القرآن كاشف عنه ككشف الدخان المحسوس عنهم...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
يشبه إيقاع هذه السورة المكية، بفواصلها القصيرة، وقافيتها المتقاربة، وصورها العنيفة، وظلالها الموحية.. يشبه أن يكون إيقاعها مطارق على أوتار القلب البشري المشدودة.
ويكاد سياق السورة أن يكون كله وحدة متماسكة، ذات محور واحد، تشد إليه خيوطها جميعاً. سواء في ذلك القصة، ومشهد القيامة، ومصارع الغابرين، والمشهد الكوني، والحديث المباشر عن قضية التوحيد والبعث والرسالة. فكلها وسائل ومؤثرات لإيقاظ القلب البشري واستجاشته لاستقبال حقيقة الإيمان حية نابضة، كما يبثها هذا القرآن في القلوب.
وتبدأ السورة بالحديث عن القرآن وتنزيله في ليلة مباركة فيها يفرق كل أمر حكيم، رحمة من الله بالعباد وإنذاراً لهم وتحذيراً. ثم تعريف للناس بربهم: رب السماوات والأرض وما بينهما، وإثبات لوحدانيته وهو المحيي والمميت رب الأولين والآخرين.
ثم يضرب عن هذا الحديث ليتناول شأن القوم: (بل هم في شك يلعبون)! ويعاجلهم بالتهديد المرعب جزاء الشك واللعب: (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم).. ودعاءهم بكشف العذاب عنهم وهو يوم يأتي لا يكشف. وتذكيرهم بأن هذا العذاب لم يأت بعد، وهو الآن عنهم مكشوف، فلينتهزوا الفرصة، قبل أن يعودوا إلى ربهم، فيكون ذلك العذاب المخوف: (يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون)..
ومن هذا الإيقاع العنيف بمشهد العذاب ومشهد البطشة الكبرى والانتقام؛ ينتقل بهم إلى مصرع فرعون وملئه يوم جاءهم رسول كريم، وناداهم: أن أدوا إليَّ عباد الله إني لكم رسول أمين. وألا تعلوا على الله.. فأبوا أن يسمعوا حتى يئس منهم الرسول. ثم كان مصرعهم في هوان بعد الاستعلاء والاستكبار: (كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين. كذلك وأورثناها قوماً آخرين. فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين)..
وفي غمرة هذا المشهد الموحي يعود إلى الحديث عن تكذيبهم بالآخرة، وقولهم: (إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين، فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين) ليذكرهم بمصرع قوم تبع، وما هم بخير منهم ليذهبوا ناجين من مثل مصيرهم الأليم.
ويربط بين البعث، وحكمة الله في خلق السماوات والأرض، (وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين. ما خلقناهما إلا بالحق. ولكن أكثرهم لا يعلمون)..
ثم يحدثهم عن يوم الفصل: (ميقاتهم أجمعين). وهنا يعرض مشهداً عنيفاً للعذاب بشجرة الزقوم، وعتل الأثيم، وأخذه إلى سواء الجحيم، يصب من فوق رأسه الحميم. مع التبكيت والترذيل: (ذق إنك أنت العزيز الكريم. إن هذا ما كنتم به تمترون)..
وإلى جواره مشهد النعيم عميقاً في المتعة عمق مشهد العذاب في الشدة. تمشياً مع ظلال السورة العميقة وإيقاعها الشديد..
وتختم السورة بالإشارة إلى القرآن كما بدأت: (فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون).. وبالتهديد الملفوف العنيف: (فارتقب إنهم مرتقبون).
إنها سورة تهجم على القلب البشري من مطلعها إلى ختامها، في إيقاع سريع متواصل. تهجم عليه بإيقاعها كما تهجم عليه بصورها وظلالها المتنوعة المتحدة في سمة العنف والتتابع. وتطوف به في عوالم شتى بين السماء والأرض، والدنيا والآخرة، والجحيم والجنة، والماضي والحاضر، والغيب والشهادة، والموت والحياة، وسنن الخلق ونواميس الوجود.. فهي -على قصرها نسبياً- رحلة ضخمة في عالم الغيب وعالم الشهود..
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
... ووجه تسميتها بالدخان وقوع لفظ الدخان فيها المراد به آية من آيات الله أيد الله بها رسوله صلى الله عليه وسلم فلذلك سميت به اهتماما بشأنه، وإن كان لفظ {الدخان} بمعنى آخر قد وقع في سورة {حم تنزيل} في قوله {ثم استوى إلى السماء وهي دخان} وهي نزلت قبل هذه السورة على المعروف من ترتيب تنزيل سور القرآن عن رواية جابر بن زيد التي اعتمدها الجعبري وصاحب الإتقان على أن وجه التسمية لا يوجبها.
وهي مكية كلها في قول الجمهور. قال ابن عطية: هي مكية لا أحفظ خلافا في شيء منها. ووقع في الكشاف استثناء قوله {إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون} ولم يعزه إلى قائل، ومثله القرطبي، وذكره الكواشي قولا وما عزاه إلى معين.
وأحسب أنه قول نشأ عما فهمه القائل، وسنبينه في موضعه...
أشبه افتتاح هذه السورة فاتحة سورة الزخرف من التنويه بشأن القرآن وشرفه وشرف وقت ابتداء نزوله ليكون ذلك مؤذنا أنه من عند الله ودالا على رسالة محمد صلى الله عليه وسلم، وليتخلص منه إلى أن المعرضين عن تدبر القرآن ألهاهم الاستهزاء واللمز عن التدبر فحق عليهم دعاء الرسول بعذاب الجوع، إيقاظا لبصائرهم بالأدلة الحسية حين لم تنجع فيهم الدلائل العقلية، ليعلموا أن إجابة الله دعاء رسوله صلى الله عليه وسلم دليل على أنه أرسله ليبلغ عنه مراده.
فأنذرهم بعذاب يحل بهم علاوة على ما دعا به الرسول صلى الله عليه وسلم تأييدا من الله له بما هو زائد على مطلبه.
وضرب لهم مثلا بأمم أمثالهم عصوا رسل الله إليهم فحل بهم من العقاب من شأنه أن يكون عظة لهؤلاء، تفصيلا بقوم فرعون مع موسى ومؤمني قومه، ودون التفصيل بقوم تبه، وإجمالا وتعميما بالذين من قبل هؤلاء.
وإذ كان إنكار البعث وإحالته من أكبر الأسباب التي أغرتهم على إهمال التدبر في مراد الله تعالى انتقل الكلام إلى إثباته والتعريف بما يعقبه من عقوبة المعاندين ومثوبة المؤمنين ترهيبا وترغيبا.
وأدمج فيها فضل الليلة التي أنزل فيها القرآن، أي ابتدئ إنزاله وهي ليلة القدر.
وأدمج في خلال ذلك ما جرت إليه المناسبات من دلائل الوحدانية وتأييد الله من آمنوا بالرسل، ومن إثبات البعث.
وختمت بالشد على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم بانتظار النصر وانتظار الكافرين القهر.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
هذه السورة هي خامس الحواميم السبعة، ولما كانت من السور المكية، فإنّها تتضمن الأبحاث العامة لتلك السور، أي البحث حول المبدأ والمعاد والقرآن بصورة تامّة. وقد نُسجت آياتها ونظمت في هذا الباب تنظيماً تنزل معه ضرباتها الحاسمة المفزعة على القلوب الغافلة الذاهلة عن ربها، وتدعوها إلى الإِيمان والتقوى، والحق والعدالة.
ويمكن تلخيص فصول هذه السورة في سبعة:
بداية السورة بالحروف المتقطعة، ثمّ بيان عظمة القرآن، مع تبيان نزوله في ليلة القدر أوّل مرة.
وتتحدث في الفصل الثّاني عن التوحيد ووحدانية الله سبحانه، وبيان بعض مظاهر عظمته في عالم الوجود.
ويتحدث قسم مهم منها عن مصير الكفار وعاقبتهم، وأنواع العقوبات الأليمة التي نزلت وستنزل بهم.
وتتحدث السورة في فصل آخر عن قصة موسى (عليه السلام) وبني إسرائيل مع قوم فرعون، وهزيمة قوم فرعون وهلاكهم وفنائهم، من أجل إيقاظ هؤلاء الغافلين.
وتشكل مسألة القيامة وأنواع العذاب الأليم الذي سينال أصحاب الجحيم، والمثوبات العظيمة التي تسر الروح، والتي سينالها المتقون، فصلا آخر من آيات هذه السورة.
ومن المواضيع الأُخرى التي طرحت في هذه السورة موضوع الغاية من الخلق، وعدم كون خلق السماء والأرض عبثاً.
وأخيراً تنتهي السورة ببيان عظمة القرآن الكريم كما بدأت بذلك.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قد تقدم بياننا في معنى قوله: حم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
إنما كرر ذكر (حم) لأنه ينبئ عن استفتاح السورة بذكر الكتاب على وجه التعظيم إذ على ذلك جميع الحواميم، فهو اسم علم للسورة مضمن بمعنى الصفة من وجهين: أحدهما -أنها من الحروف العربية. والآخر أنه استفتحت بذكر الكتاب على طريق المدحة...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
تبدأ السورة بالحرفين حا. ميم. على سبيل القسم بهما وبالكتاب المبين المؤلف من جنسهما. وقد تكرر الحديث عن الأحرف المقطعة في أوائل السور؛ فأما عن القسم بهذه الأحرف كالقسم بالكتاب، فإن كل حرف معجزة حقيقية أو آية من آيات الله في تركيب الإنسان، وإقداره على النطق، وترتيب مخارج حروفه، والرمز بين اسم الحرف وصوته، ومقدرة الإنسان على تحصيل المعرفة من ورائه.. وكلها حقائق عظيمة تكبر في القلب كلما تدبرها مجرداً من وقع الألفة والعادة الذي يذهب بكل جديد!...