سورة الدخان مكية ، نزلت في الفترة الأخيرة من حياة المسلمين بمكة ، بعد الإسراء وقبيل الهجرة ، وآياتها 59 آية ، نزلت بعد سورة الزخرف ، وقد سميت سورة الدخان لقوله تعالى فيها : { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين } . ( الدخان : 10 ) .
معظم مقصود سورة الدخان هو : نزول القرآن في ليلة القدر ، وآيات التوحيد ، والشكاية من الكفار ، وحديث موسى وبني إسرائيل وفرعون ، والرد على منكري البعث ، وذل الكفار في العقوبة ، وعز المؤمنين في الجنة ، والمنة على الرسول بتيسير القرآن على لسانه في قوله تعالى : { فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون } . ( الدخان : 58 ) .
سورة الدخان سورة يكثر المسلمون قراءتها ، خصوصا ليلة النصف من شعبان ، وليلة القدر في رمضان ، وليلة الجمعة ، وهي تبدأ ببيان أن القرآن أنزل من السماء في ليلة مباركة ، يحمل الرحمة والهدى من رب العالمين ، ثم تنذر المشركين بالعذاب ، وتذكر طرفا من قصة موسى مع فرعون ، ثم تذكر مشاهد القيامة ، وفيها نعيم المتقين ، وعقاب المشركين .
ومن السنة قراءة سورة الدخان ليلة الجمعة لتثبيت الإيمان وتقوية اليقين بقدرة الله رب العالمين ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ حم التي يذكر فيها الدخان في ليلة الجمعة أصبح مغفورا له )1 .
سورة الدخان سريعة الإيقاع ، قصيرة الفواصل ، لها سمات السور المكية ، إذ تشتمل على صور عنيفة متقاربة ، ونذر متكررة ، تشبه المطارق التي تقع على أوتار القلب البشري . " ويكاد سياق السورة أن يكون كله وحدة متماسكة ذات محور واحد ، تشد إليه خيوطها جميعا ، سواء في ذلك القصة ، ومشهد القيامة ، ومصارع الغابرين ، والمشهد الكوني ، والحديث المباشر عن قضية التوحيد والبعث والرسالة ، فكلها وسائل ومؤثرات لإيقاظ القلب البشري ، واستجاشته لاستقبال حقيقة الإيمان حية نابضة ، كما يبثها هذا القرآن في القلوب " 2 .
تبدأ السورة بهذه الآيات القصيرة المتلاحقة ، المتعلقة بالكتاب والإنذار والرسالة والهداية : { حم * والكتاب المبين * إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين * فيها يفرق كل أمر حكيم * أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين } . ( الدخان : 1-5 ) .
ثم تعريف للناس بربهم ، رب السماوات والأرض وما بينهما ، وإثبات الوحدانية لله المحيي المميت ، رب الأولين والآخرين .
ثم يضرب السياق عن هذا الحديث ليتناول شأن القوم : { بل هم في شك يلعبون } . ( الدخان : 9 ) .
ويعاجلهم بالتهديد المرعب جزاء الشك واللعب : { فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين * يغشى الناس هذا عذاب أليم } . ( الدخان : 10 ، 11 ) .
ثم ذكر ما يكون من دعائهم لله أن يكشف عنهم العذاب ، وإعلانهم الاستعداد للإيمان في وقت لا يقبل منهم فيه إيمان .
وتذكيرهم بأن هذا العذاب لم يأت بعد ، وهو الآن عنهم مكشوف ، فلينتهزوا الفرصة قبل أن يعودوا إلى ربهم فيكون ذلك العذاب المخيف : { يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون } . ( الدخان : 16 ) .
ومن هذا الإيقاع العنيف بمشهد العذاب ، ومشهد البطشة الكبرى والانتقام ، ينتقل بهم إلى مصرع فرعون وملئه ، يوم جاءهم رسول كريم يدعوهم إلى الإيمان بالله ، فأبوا أن يستجيبوا لدعوته ، وهموا بالانتقام من موسى فأغرقهم الله ، وتركوا وراءهم الجنات والزروع ، والفاكهة والمقام الكريم ، يستمتع بها سواهم ، ويذوقون هم عذاب السعير .
وفي غمرة هذا المشهد الموحى يعود إلى الحديث عن تكذيبهم بالآخرة وإنكارهم للبعث وقولهم : { إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين * فاتوا بآبائنا إن كنتم صادقين } . ( الدخان : 35 ، 36 ) .
ليذكرهم بأنهم ليسوا أقوى من قوم تُبَّع الذين هلكوا لإجرامهم ، ويربط السياق بين البعث وحكمة الله في خلق السماوات والأرض ، فلم يخلقهما عبثا وإنما لحكمة سامية ، هي أن تكون الدنيا للعمل والابتلاء ، والآخرة للبعث والجزاء .
ثم يحدثهم عن يوم الفصل : { ميقاتهم أجمعين } . ( الدخان : 40 ) . وهنا يعرض مشهدا عنيفا لعذاب المكذبين ، إنهم يأكلون من شجرة مؤلمة ، طعامها مثل الزيت المغلي -وهو المهل- يغلى في البطون كغلي الحميم ، ويشد المجرم شدا في جفوة وإهانة ، ويصب فوق رأسه من الحميم الذي يكوي ويشوي .
ومع الشد والجذب ، والدفع والعتل والكي ، التأنيب والإهانة ، جزاء الشك والتكذيب بالبعث والجزاء : { ذق إنك أنت العزيز الكريم } . ( الدخان : 49 ) .
وفي الجانب الآخر من ساحة القيامة نجد المتقين في مقام أمين ، يلبسون الحرير الرقيق وهو السندس ، والحرير السميك وهو الإستبرق ، ويجلسون متقابلين يسمرون ويتمتعون بالحور العين ، و بالخلود في دار النعيم : { فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم } . ( الدخان : 57 ) .
ثم يأتي الختام يذكرهم بنعمة الله في تيسير هذا القرآن على لسان الرسول العربي ، الذي يفهمون كلامه ويدركون معانيه ، ويخوفهم العاقبة والمصير ، في تعبير ملفوف ولكنه مخيف . { فارتقب إنهم مرتقبون } . ( الدخان : 59 ) .
{ حم ( 1 ) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ ( 2 ) إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ ( 3 ) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ ( 4 ) أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ ( 5 ) رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( 6 ) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ( 7 ) لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آَبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ ( 8 ) بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ ( 9 ) }
حروف مفصلّة افتتح الله بها عددا من السور ، لتكون بمثابة الجرس الذي يقرع ، فيتنبه التلاميذ لدخول المدرسة .
ولأن الكفار كانوا يتواصون بعدم الاستماع للقرآن ، فلم قرع أسماعهم ما لم يألفوه أنصتوا ، وقيل : هي حروف للتحدي والإعجاز ، ذلك أن الله تعالى طلب من المشركين أن يأتوا بمثل القرآن فعجزوا ، فطلب الإتيان بعشر سور منه فعجزوا ، فطلب الإتيان بسورة منه فعجزوا ، ولزمهم العجز الأبدي ، وتحداهم القرآن مفتتحا بعض السور بهذه الأحرف المقطعة ، مرشدا إلى أن القرآن مكون من حروف عربية تنطقون بها ، وقد عجزتم عن الإتيان بمثله ، فدل ذلك على أنه من عند الله ، وهو وحي إلهي وليس من صنع بشر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.