فيقول أصحاب الأعراف لأولئك الكفار : { أهؤلاء } يعني هؤلاء الضعفاء .
قوله تعالى : { الذين أقسمتم } ، حلفتم .
قوله تعالى : { لا ينالهم الله برحمة } ، أي : حلفتم أنهم لا يدخلون الجنة . ثم يقال لأهل الأعراف : { ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون } ، وفيه قول آخر : أن أصحاب الأعراف إذا قالوا لأهل النار ما قالوا ، قال لهم أهل النار : إن دخل أولئك الجنة وأنتم لم تدخلوها ، فيعيرونهم بذلك ، ويقسمون أنهم يدخلون النار ، فتقول الملائمة الذين حبسوا أصحاب الأعراف على الصراط لأهل النار ، أهؤلاء ، يعني أصحاب الأعراف ، { الذين أقسمتم } يا أهل النار أنه لا ينالهم الله برحمة ، ثم قالت الملائكة لأصحاب الأعراف : { ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون } فيدخلون الجنة .
ثم أشاروا لهم إلى أناس من أهل الجنة كانوا في الدنيا فقراء ضعفاء يستهزئ بهم أهل النار ، فقالوا لأهل النار : { أَهَؤُلَاءِ } الذين أدخلهم اللّه الجنة { الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ } احتقارا لهم وازدراء وإعجابا بأنفسكم ، قد حنثتم في أيمانكم ، وبدا لكم من اللّه ما لم يكن لكم في حساب ، { ادْخُلُوا الْجَنَّةَ } بما كنتم تعملون ، أي : قيل لهؤلاء الضعفاء إكراما واحتراما : ادخلوا الجنة بأعمالكم الصالحة { لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ } فيما يستقبل من المكاره { وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ } على ما مضى ، بل آمنون مطمئنون فرحون بكل خير .
وهذا كقوله تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ } إلى أن قال { فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ } واختلف أهل العلم والمفسرون ، من هم أصحاب الأعراف ، وما أعمالهم ؟
والصحيح من ذلك ، أنهم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم ، فلا رجحت سيئاتهم فدخلوا النار ، ولا رجحت حسناتهم فدخلوا الجنة ، فصاروا في الأعراف ما شاء اللّه ، ثم إن اللّه تعالى يدخلهم برحمته الجنة ، فإن رحمته تسبق وتغلب غضبه ، ورحمته وسعت كل شيء .
قال أبو مجلز : أهل الأعراف هم الملائكة وهم القائلون { أهؤلاء } إشارة إلى أهل الجنة .
قال القاضي أبو محمد : وكذلك يجيء قول من قال أهل الأعراف أنبياء وشهداء ، وقال غيره : أهل الأعراف بشر مذنبون ، وقوله : { أهؤلاء } من كلام ملك بأمر الله عز وجل إشارة إلى أهل الأعراف ومخاطبة لأهل النار ، وهذا قول ابن عباس ، وقال النقاش : لما وبخوهم بقولهم { ما أغنى عنكم جمعكم } [ الأعراف : 48 ] ، أقسم أهل النار أن أهل الأعراف داخلون النار معهم فنادتهم الملائكة { أهؤلاء } ، ثم نادت أصحاب الأعراف { ادخلوا الجنة } ، وقال بعض المتأولين : الإشارة بهؤلاء إلى أهل الجنة ، والمخاطبون هم أهل الأعراف والذين خوطبوا هم أهل النار ، والمعنى أهؤلاء الضعفاء في الدنيا الذين حلفتم أن الله لا يعبأ بهم قيل لهم ادخلوا الجنة ، وقد تقدم ما قال النقاش من أن القسم هو في الآخرة على أهل الأعراف ، وقرأ الحسن وابن هرمز «أدخِلوا الجنة » بفتح الألف وكسر الخاء معنى أدخلوا أنفسكم ، أو على أن تكون مخاطبة للملائكة ثم ترجع المخاطبة بعد إلى البشر في { عليكم } ، وقرأ عكرمة مولى ابن عباس «دخلوا الجنة » على الإخبار بفعل ماض ، وقرأ طلحة بن مصرف وابن وثاب والنخعي «أُدخلوا الجنة » خبر مبني للمفعول .
قال القاضي أبو محمد : وترتيب كل قراءة من هذه على الأقوال في المخاطب والمخاطب بقوله تعالى : { أهؤلاء } ممكن بأيسر تناول فاختصرته إيجازاً ، وكذلك ما في الآية من الرجوع من مخاطبة فريق إلى مخاطبة غيره ، وقوله تعالى : { لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون } معناه : لا تخافون ما يأتي ولا تحزنون على ما فات ، وذكر الطبري من طريق حذيفة أن أهل الأعراف يرغبون في الشفاعة فيأتون آدم فيدفعهم إلى نوح ثم يتدافعهم الأنبياء عليهم السلام حتى يأتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فيشفع لهم فيشفع فيدخلون الجنة فيلقون في نهر الحياة فيبيضون ويسمون مساكين الجنة ، قال سالم مولى أبي حذيفة : ليت أني من أهل الأعراف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.