البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَهَـٰٓؤُلَآءِ ٱلَّذِينَ أَقۡسَمۡتُمۡ لَا يَنَالُهُمُ ٱللَّهُ بِرَحۡمَةٍۚ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡجَنَّةَ لَا خَوۡفٌ عَلَيۡكُمۡ وَلَآ أَنتُمۡ تَحۡزَنُونَ} (49)

{ أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمته ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون } الظاهر أنّ هذا من جملة مقول أهل الأعراف وتكون الإشارة إلى أهل الجنة الذين كان الرؤساء يستهينون بهم ويحقّرونهم لفقرهم وقلة حظوظهم في الدنيا وكانوا يقسمون بالله تعالى لا يدخلهم الجنة قاله الزمخشري ، وذكره ابن عطية عن بعض المتأوّلين ، قال : الإشارة بهؤلاء إلى أهل الجنة والمخاطبون هم أهل الأعراف والذين خوطبوا أهل النار والمعنى { أهؤلاء } الضعفاء في الدنيا الذين حلفتهم أن الله لا يعبأ بهم قبل لهم ادخلوا الجنة ، وقال ابن عباس : { أهؤلاء } من كلام ملك بأمر الله إشارة إلى أهل الأعراف ومخاطبة لأهل النار ، قال النقاش لما وبخوهم بقولهم { ما أغنى عنكم جمعكم } أقسم أهل النار أنّ أهل الأعراف داخلون النار معهم فنادتهم الملائكة { أهؤلاء } ثم نادى أهل الأعراف ادخلوا الجنة ، وقيل : الإشارة بهؤلاء إلى أهل الأعراف والقائلون هم أصحاب الأعراف ثم يرجعون إلى مخاطبة أنفسهم فيقول بعضهم لبعض { ادخلوا الجنة } قاله الحسن ، وقيل : الإشارة إلى المؤمنين الذين كان الكفار يحلفون أنهم لا يدخلون الجنة والقائل إما الله وإما الملائكة ، وقيل : المشار بهؤلاء أصحاب الأعراف والقائل مالك خازن النار يأمر الله تعالى ، وقال أبو مجلز : أهل الأعراف هم الملائكة وهم القائلون { أهؤلاء } إشارة إلى أهل الجنة ، وكذلك مجيء قول من قال أهل الأعراف أنبياء وشهداء ، وقرأ الحسن وابن هرمز : أدخلوا من أدخل أي أدخلوا أنفسكم أو يكون خطاباً للملائكة ثم خاطب بعد البشر .

وقرأ عكرمة دخلوا إخباراً بفعل ماض ، وقرأ طلحة وابن وثاب والنخعي { أدخلوا } خيراً مبنيّاً للمفعول وعلى هاتين القراءتين يكون قوله { لا خوف عليكم } على تقدير مقولاً لهم لا خوف عليكم ، قال الزمخشري : يقال لأهل الأعراف ادخلوا الجنة بعد أن يحبسوا على الأعراف وينظروا إلى الفريقين ويعرفوهم بسيماهم ويقولوا ما يقولون وفائدة ذلك بيان أنّ الجزاء على قدر الأعمال وأنّ التقدّم والتأخر على حسبها وأنّ أحداً لا يسبق عند الله تعالى إلا بسبقه من العمل ولا يتخلّفه إلا بتخلّفه وليرغب السامعون في حال السابقين ويحصروا على إحراز قصبهم وأنّ كلاًّ يعرف ذلك اليوم بسيماه التي استوجب أن يوسم بها من أهل الخير والشرّ فيرتدع المسيء عن إساءته ويزيد المحسن في إحسانه وليعلم أن العصاة يوبخهم كلّ أحد حتى أقصر الناس عملاً انتهى ، وهو تكثير من باب الخطابة لا طائل تحته وفيه دسيسة الاعتزال ، وعن حذيفة أنّ أهل الأعراف يرغبون في الشفاعة فيأتون آدم فيدفعهم إلى نوح ثم يتدافعهم الأنبياء حتى يأتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فيشفع لهم فيشفع فيدخلون الجنة فيلقون في نهر الحياة فيبيضون ويسمون مساكين الجنة ، قال سالم مولى أبي حذيفة : ليت أني من أهل الأعراف .