معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَٱلسَّمَآءَ بَنَيۡنَٰهَا بِأَيۡيْدٖ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} (47)

قوله تعالى : { والسماء بنيناها بأيد } بقدرة وقوة ، { وإنا لموسعون } قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : لقادرون . وعنه أيضاً : لموسعون الرزق على خلقنا . وقيل : ذو سعة : قال الضحاك : أغنياء ، دليله : قوله عز وجل : { على الموسع قدره }( البقرة-236 ) ، قال الحسن : المطيقون .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَٱلسَّمَآءَ بَنَيۡنَٰهَا بِأَيۡيْدٖ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} (47)

{ 47-51 } { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ * وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ * وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ * وَلَا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ }

يقول تعالى مبينًا لقدرته العظيمة : { وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا } أي : خلقناها وأتقناها ، وجعلناها سقفًا للأرض وما عليها .

{ بِأَيْدٍ } أي : بقوة وقدرة عظيمة { وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ } لأرجائها وأنحائها ، وإنا لموسعون [ أيضا ] على عبادنا ، بالرزق الذي ما ترك الله دابة في مهامه القفار ، ولجج البحار ، وأقطار العالم العلوي والسفلي ، إلا وأوصل إليها من الرزق ، ما يكفيها ، وساق إليها من الإحسان ما يغنيها .

فسبحان من عم بجوده جميع المخلوقات ، وتبارك الذي وسعت رحمته جميع البريات .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَٱلسَّمَآءَ بَنَيۡنَٰهَا بِأَيۡيْدٖ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} (47)

( والسماء بنيناها بأيد ، وإنا لموسعون ، والأرض فرشناها فنعم الماهدون ، ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون . ففروا إلى الله ، إني لكم منه نذير مبين . ولا تجعلوا مع الله إلها آخر ، إني لكم منه نذير مبين ) . .

إنها عودة إلى المعرض الكوني الذي افتتحت به السورة ، في صورة من صوره الكثيرة التي يجلوها القرآن للقلوب . واستطراد في الإشارة إلى آيات الله هنا وهناك ، يصل آية نوح بآية السماء وآية الأرض وآية الخلائق . ثم يخلص به إلى ذلك الهتاف بالبشر ليفروا إلى الله موحدين متجردين .

( والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ) . .

والأيد : القوة . والقوة أوضح ما ينبئ عنه بناء السماء الهائل المتماسك المتناسق . بأي مدلول من مدلولات كلمة السماء . سواء كانت تعني مدارات النجوم والكواكب . أم تعني مجموعة من المجموعات النجمية التي يطلق عليها اسم المجرة وتحوي مئات الملايين من النجوم . أم تعني طبقة من طبقات هذا الفضاء الذي تتناثر فيه النجوم والكواكب . . أم غير هذا من مدلولات كلمة السماء .

والسعة كذلك ظاهرة فهذه النجوم ذات الأحجام الهائلة والتي تعد بالملايين ، لا تعدو أن تكون ذرات متناثرة في هذا الفضاء الرحيب .

ولعل في الإشارة إلى السعة إيحاء آخر إلى مخازن الأرزاق التي قال من قبل : إنها في السماء ولو أن السماء هناك مجرد رمز إلى ما عند الله . ولكن التعبير القرآني يلقي ظلالا معينة ، يبدو أنها مقصودة في التعبير ، لخطاب المشاعر البشرية خطابا موحيا .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَٱلسَّمَآءَ بَنَيۡنَٰهَا بِأَيۡيْدٖ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} (47)

{ والسماء بنيناها بأيد } بقوة . { وإنا لموسعون } لقادرون من الوسع بمعنى الطاقة والموسع القادر على الإنفاق . أو { لموسعون } السماء أو ما بينها وبين الأرض أو الرزق .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَٱلسَّمَآءَ بَنَيۡنَٰهَا بِأَيۡيْدٖ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ} (47)

لما كانت شبهة نفاة البعث قائمة على توهم استحالة إعادة الأجسام بعد فنائها أعقب تهديدهم بما يقوض توهمهم فوُجه إليه الخطاب يُذكرهم بأن الله خلق أعظم المخلوقات ولم تكن شيئاً فلا تعدّ إعادة الأشياء الفانية بالنسبة إليها إلاّ شيئاً يسيراً كما قال تعالى : { لخلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون } [ غافر : 57 ] .

وهذه الجملة والجمل المعطوفة عليها إلى قوله : { إني لكم منه نذير مبين } [ الذاريات : 51 ] معترضة بين جملة { وقوم نوح من قبل } [ الذاريات : 46 ] الخ وجملة { كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول } [ الذاريات : 52 ] الآية .

وابتدىء بخلق السماء لأن السماء أعظم مخلوق يشاهده الناس ، وعطف عليه خلق الأرض عطفَ الشيء على مخالفه لاقتران المتخالفين في الجامع الخيالي . وعطف عليها خلق أجناس الحيوان لأنها قريبة للأنظار لا يكلف النظرُ فيها والتدبر في أحوالها ما يرهق الأذهان .

واستعير لخلق السماء فعل البناء لأنه منظر السماء فيما يبدو للأنظار شبيه بالقبة ونصب القبة يُدعى بناءً .

وهذا استدلال بأثر الخلق الذي عاينوا أثره ولم يشهدوا كيفيته ، لأن أثره ينبىء عن عظيم كيفيته ، وأنها أعظم مما يتصور في كيفية إعادة الأجسام البالية .

والأَيْد : القوة . وأصله جَمع يد ، ثم كثر إطلاقه حتى صار اسماً للقوة ، وتقدم عند قوله تعالى : { واذكر عبدنا داود ذا الأيد } في سورة ص ( 17 ) .

والمعنى : بنيناها بقدرة لا يقدر أحد مثلها .

وتقديم { السماء } على عامله للاهتمام به ، ثم بسلوك طريقة الاشتغال زاده تقوية ليتعلق المفعول بفعله مرتين : مرة بنفسه ، ومرة بضميره ، فإن الاشتغال في قوة تكرر الجملة . وزيد تأكيده بالتذييل بقوله : { وإنا لموسعون } . والواو اعتراضية .

والمُوسِع : اسم فاعل من أوسع ، إذا كان ذا وُسع ، أي قدرة . وتصاريفه جائية من السَّعة ، وهي امتداد مساحة المكان ضد الضيق ، واستعير معناها للوفرة في أشياء مثل الأفراد مثل عمومها في { ورحمتي وسعت كل شيء } [ الأعراف : 156 ] ، ووفرة المال مثل { لينفق ذو سعة من سعته } [ الطلاق : 7 ] ، وقوله : { على الموسع قدره } [ البقرة : 236 ] ، وجاء في أسمائه تعالى الواسع { إن اللَّه واسع عليم } . وهو عند إجرائه على الذات يفيد كمال صفاته الذاتية : الوجودِ ، والحياة ، والعلم ، والقدرة ، والحكمة ، قال تعالى : { إن اللَّه واسع عليم } [ البقرة : 115 ] ومنه قوله هنا : { وإنا لموسعون } .

وأكد الخبر بحرف ( إنّ ) لتنزيل المخاطبين منزلة من ينكر سعة قدرة الله تعالى ، إذ أحالوا إعادة المخلوقات بعد بِلاها .