وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي «أنُ اعبدون » بضم النون من أن أتبعوا بها ضمة الدال واو الجماعة أيضاً{[9803]} ، وقرأ عاصم وأبو عمرو وحمزة «وأنِ اعبدون » بكسر النون على أصل الكسر للالتقاء ، وقوله تعالى { هذا صراط مستقيم } إشارة إلى الشرائع ، فمعنى هذا أن الله تعالى عهد إلى بني آدم وقت إخراج نسلهم من ظهره أن لا يعبدوا الشيطان وأن يعبدوا الله تعالى وقيل لهم هذه الشرائع موجودة وبعث تعالى آدم إلى ذريته ولم تخل الأرض من شريعة إلى ختم الرسالة بمحمد صلى الله عليه وسلم ، والصراط الطريق ، ويقال إنها دخيلة في كلام العرب وعربتها .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{هذا} التوحيد {صراط مستقيم} دين الإسلام؛ لأن غير دين الإسلام ليس بمستقيم...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"وَأنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ" يقول: وألم أعهد إليكم أن اعبدوني دون كلّ ما سواي من الآلهة والأنداد، وإياي فأطيعوا، فإن إخلاص عبادتي، وإفراد طاعتي، ومعصية الشيطان، هو الدين الصحيح، والطريق المستقيم.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
لما حكى الله تعالى ما يقوله الكفار يوم القيامة ويواقفهم عليه من أنه عهد إليهم أن لا تعبدوا الشيطان وأنه عدوهم، حكى أنه كان أمرهم أيضا بأن يعبدوا الله وأن عبادته صراط مستقيم، فوضف عبادته تعالى بأنه طريق مستقيم من حيث كان طريقا مستقيما إلى الجنة. وأنه لا تخليط فيه ولا تعريج...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{هذا} إشارة إلى ما عهد إليهم من معصية الشيطان وطاعة الرحمن، إذ لا صراط أقوم منه.
{هذا صراط مُّسْتَقِيمٌ} يريد: صراط بليغ في بابه، بليغ في استقامته، جامع لكل شرط يجب أن يكون عليه.
لما منع عبادة الشيطان حمل على عبادة الرحمن، والشارع طبيب الأرواح كما أن الطبيب طبيب الأشباح، وكما أن الطبيب يقول للمريض لا تفعل كذا ولا تأكل من ذا وهي الحمية التي هي رأس الدواء لئلا يزيد مرضه، ثم يقول له تناول الدواء الفلاني تقوية لقوته المقاومة للمرض، كذلك الشارع منع من المفسد وهو اتباع الشيطان وحمل على المصالح وهو عبادة الرحمن. وفيه مسائل:
المسألة الأولى: عند المنع من عبادة الشيطان قال: {إنه لكم عدو مبين}؛ لأن العداوة أبلغ الموانع من الاتباع، وعند الأمر بعبادة الرحمن لم يقل إنه لكم حبيب؛ لأن المحبة لا توجب متابعة المحبوب بل ربما يورث ذلك الاتكال على المحبة، فيقول إنه يحبني فلا حاجة إلى تحمل المشقة في تحصيل مراضيه، بل ذكر ما هو أبلغ الأشياء في الحمل على العبادة وذلك كونه طريقا مستقيما؛ وذلك لأن الإنسان في دار الدنيا في منزل قفر مخوف وهو متوجه إلى دار إقامة فيها إخوانه، والنازل في بادية خالية يخاف على روحه وماله، ولا يكون عنده شيء أحب من طريق قريب آمن، فلما قال الله تعالى: {هذا صراط مستقيم} كان ذلك سببا حاثا على السلوك، وفي ضمن قوله تعالى: {هذا صراط} إشارة إلى أن الإنسان مجتاز؛ لأنه لو كان في دار إقامة فقوله: {هذا صراط مستقيم} لا يكون له معنى؛ لأن المقيم يقول وماذا أفعل بالطريق وأنا من المقيمين.
المسألة الثانية: ماذا يدل على كونه طريقا مستقيما؟ نقول الإنسان مسافر إما مسافرة راجع إلى وطنه، وإما مسافرة تاجر له متاع يتجر فيه، وعلى الوجهين فالله هو المقصد، وأما الوطن؛ فلأنه لا يوطن إلا في مأمن، ولا أمن إلا بملك لا يزول ملكه؛ لأن عند زوال ملك الملوك لا يبقى الأمن والراحة، والله سبحانه هو الذي ملكه دائم وكل ما عداه فهو فان، وأما التجارة؛ فلأن التاجر لا يقصد إلا إلى موضع يسمع أو يعلم أن لمتاعه هناك رواجا، والله تعالى يقول إن العمل الصالح عنده مثاب عليه مقابل بأضعاف ما يستحق، والله هو المقصد، وعبادته توجه إليه، ولا شك أن القاصد لجهة إذا توجه إليها يكون على الطريق المستقيم.
المسألة الثالثة: العبادة تنبئ عن معنى التذلل، فلما قال لا تعبدوا الشيطان لزم أن يتكبر الإنسان على ما سوى الله ولما قال: {وأن اعبدوني} ينبغي أن لا يتكبر على الله لكن التكبر على ما سوى الله ليس معناه أن يرى نفسه خيرا من غيره، فإن نفسه من جملة ما سوى الله، فينبغي أن لا يلتفت إليها ولو كانت متجملة بعبادة الله، بل معنى التكبر على ما سوى الله أن لا ينقاد لشيء إلا بإذن الله وفي هذا التكبر غاية التواضع فإنه حينئذ لا ينقاد إلى نفسه وحظ نفسه في التفوق على غيره، فلا يتفوق فيحصل التواضع التام، ولا ينقاد لأمر الملوك إذا خالفوا أمر الله فيحصل التكبر التام فيرى نفسه بهذا التكبر دون الفقير وفوق الأمير.
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
التنكير للمبالغة والتعظيم، أو للتبعيض فإن التوحيد سلوك بعض الطريق المستقيم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما بكتهم بالتذكير بما ارتكبوا مع النهي عن عبادة العدو تقديماً لدرء المفاسد، وبخهم بالتذكير بما ضيعوا مع أخذ العهود من واجب الأمر بعبادة الولي فقال عاطفاً على "أن لا ": {وأن اعبدوني} ولما ذكر سبحانه بالأمر بعبادته، عرف بحسنها حثاً على لزومها قبل ذلك اليوم قائلاً: {هذا} أي الأمر بعبادتي {صراط مستقيم} أي بليغ القوم، وعبادة الشيطان صراط ضيق معوج غاية الضيق والعوج.
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
فيه أن المطلوب الاستقامة، والأمر دائر معها وقليلها كثير.
محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :
في تنكيره إشعار بأنه صراط بليغ في استقامته، جامع لكل ما يجب أن يكون عليه. وأصل لمرتبة يقصر عنها التوصيف، فالتنوين للتعظيم.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
جملة {وأنِ اعْبُدُوني} عطف على {أن لا تعْبُدُوا الشَّيْطانَ} بإعادة {أن} التفسيرية فهما جملتان مفسرتان لعهدين.
وعدل عن الإِتيان بصيغة قصر؛ لأن في الإِتيان بهاتين الجملتين زيادة فائدة؛ لأن من أهل الضلالة الدهريين والمعطلين، فهم وإن لم يعبدوا الشيطان ولكنهم لم يعبدوا الله فكانوا خاسئين بالعهد.
وبعد أن نهانا ربنا -تبارك وتعالى- عن عبادة الشيطان يُوجِّهنا إلى العبادة الحقة: {وَأَنِ اعْبُدُونِي هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} حين نتأمل هاتين الآيتين نجد أن العلة في النهي عن عبادة الشيطان {إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [يس: 60] كان القياس في الآية بعدها: وأن اعبدوني لأنني حبيبكم...
لكن الحق سبحانه لم يُعلل عبادته سبحانه بالمحبة، إنما اعبدوني لأني أدعوكم إلى الصراط المستقيم النافع لكم المنظِّم لحياتكم، اعبدوني لهذا، أما مسألة المحبة فهي موجودة وأنا أحبكم، فسواء كنتُ أحبك أو لا أحبك كان ينبغي عليك اتباع هذا الصراط المستقيم؛ لأنك المستفيد منه.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
الآية التالية تأكيد أشدّ وبيان لوظيفة بني آدم، تقول الآية الكريمة: (وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم).