معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{إِنَّمَا يَفۡتَرِي ٱلۡكَذِبَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰذِبُونَ} (105)

قوله تعالى : { إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون } ، لا محمد صلى الله عليه وسلم . فإن قيل : قد قال : { إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون } ، فما معنى قوله : { وأولئك هم الكاذبون } ؟ قيل : { إنما يفتري الكذب } : إخبار عن فعلهم ، و{ هم الكاذبون } ، نعت لازم لهم ، كقول الرجل لغيره : كذبت وأنت كاذب ، أي : كذبت في هذا القول ، ومن عادتك الكذب .

أخبرنا أبو سعيد الشريحي ، أنبأنا أبو إسحاق الثعلبي ، أنبأنا أبو حفص عمر بن أحمد الجوهري ، أنبأنا جدي أبو بكر محمد بن عمر بن حفص ، حدثنا أبو بكر محمد بن الفرج الأزرق ، حدثنا سعيد بن عبد الحميد بن جعفر ، حدثنا يعلى بن الأشدق ، عن عبد الله بن جراد قال : " قلت : يا رسول الله المؤمن يزني ؟ قال : قد يكون ذلك ، قال : المؤمن يسرق ؟ قال : قد يكون ذلك ، قلت : المؤمن يكذب ؟ قال : لا . قال الله : { إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله } .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{إِنَّمَا يَفۡتَرِي ٱلۡكَذِبَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰذِبُونَ} (105)

{ إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ } ، أي : إنما يصدر افتراه الكذب من { الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ } ، كالمعاندين لرسوله من بعد ما جاءتهم البينات ، { وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ } ، أي : الكذب منحصر فيهم وعليهم أولى بأن يطلق من غيرهم . وأما محمد صلى الله عليه وسلم المؤمن بآيات الله ، الخاضع لربه فمحال أن يكذب على الله ويتقول عليه ما لم يقل ، فأعداؤه رموه بالكذب الذي هو وصفهم ، فأظهر الله خزيهم وبين فضائحهم ، فله تعالى الحمد .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّمَا يَفۡتَرِي ٱلۡكَذِبَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰذِبُونَ} (105)

90

ثم يثني بأن الافتراء على الله لا يصدر إلا من مثل هؤلاء الذين لا يؤمنون . ولا يمكن أن يصدر من الرسول الأمين :

( إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله . وأولئك هم الكاذبون )

فالكذب جريمة فاحشة لا يقدم عليها مؤمن . وقد نفى الرسول [ ص ] في حديث له صدورها عن المسلم ، وإن كان يصدر عنه غيرها من الذنوب .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{إِنَّمَا يَفۡتَرِي ٱلۡكَذِبَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰذِبُونَ} (105)

ثم أخبر تعالى أن رسوله ليس بمفتر ولا كَذَّاب ؛ لأنه : { إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ } على الله وعلى رسوله شِرارُ الخلق ، { الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ } ، من الكفرة والملحدين المعروفين بالكذب عند الناس . والرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، كان{[16705]} أصدق الناس وأبرهم وأكملهم علما وعملا وإيمانا وإيقانا ، معروفًا بالصدق في قومه ، لا يشك في ذلك أحد منهم بحيث لا يُدْعى بينهم إلا بالأمين محمد ؛ ولهذا لما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان عن تلك المسائل التي سألها من صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان فيما قال له : أو كنتم{[16706]} تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قال : لا . فقال : هرقل فما كان ليَدع الكذب على الناس ، ويذهب فيكذب على الله عز وجل .


[16705]:في ت: "كان من".
[16706]:في ف: "أفكنتم".
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{إِنَّمَا يَفۡتَرِي ٱلۡكَذِبَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰذِبُونَ} (105)

القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ الّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * إِنّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ } .

يقول تعالى : إن الذين لا يؤمنون بحجج الله وأدلته فيصدّقون بما دلّت عليه ، { لا يَهْدِيهِمُ اللّهُ } يقول : لا يوفقهم الله لإصابة الحقّ ولا يهديهم لسبيل الرشد في الدنيا ، { ولَهُمْ فِي الآخِرَة } ، وعند الله إذا وردوا عليه يوم القيامة عذاب مؤلم موجع . ثم أخبر تعالى ذكره المشركين الذين قالوا للنبيّ صلى الله عليه وسلم : إنما أنت مفتر ، أنهم هم أهل الفرية والكذب ، لا نبيّ الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون به ، وبرّأ من ذلك نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فقال : إنما يتخرّص الكذب ويتقوّل الباطل ، الذين لا يصدّقون بحجج الله وإعلامه ؛ لأنهم لا يرجون على الصدق ثوابا ، ولا يخافون على الكذب عقابا ، فهم أهل الإفك وافتراء الكذب ، لا من كان راجيا من الله على الصدق الثواب الجزيل ، وخائفا على الكذب العقاب الأليم . وقوله : { وأُولَئِكَ هُمُ الكاذِبُونَ } يقول : والذين لا يؤمنون بآيات الله هم أهل الكذب لا المؤمنون .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّمَا يَفۡتَرِي ٱلۡكَذِبَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰذِبُونَ} (105)

هذا ردّ لقولهم : { إنما أنت مفتر } [ سورة النحل : 101 ] بقلب ما زَعموه عليهم ، كما كان قوله تعالى : { لسان الذي يلحدون إليه أعجمي } [ سورة النحل : 103 ] جواباً عن قولهم : { إنما يعلمه بشر } [ سورة النحل : 103 ] . فبعد أن نزّه القرآن عن أن يكون مفترى والمنزّل عليه عن أن يكون مفترياً ثني العنان لبيان من هو المفتري . وهذا من طريقة القلب في الحال .

ووجه مناسبة ذكره هنا أن قولهم : إنما يعلمه بشر يستلزم تكذيب النبي في أن ما جاء به منزّل إليه من عند الله ، فصاروا بهذا الاعتبار يؤكّدون بمضمونه قولَهم : إنّما أنت مفتر } يؤكّد أحد القولين القولَ الآخر ، فلما رُدّ قولهم : { إنما أنت مفتر } بقوله : { بل أكثرهم لا يعلمون قل نزله روح القدس من ربك بالحق } [ سورة النحل : 101 102 ] . ورُدّت مقالتهم الأخرى في صريحها بقوله { لسان الذي يلحدون إليه أعجمي } ، ورُدّ مضمونها هنا بقوله { إنما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون } الآية ، حاصلاً به ردّ نظيرها أعني قولهم { إنما أنت مفتر } بكلام أبلغ من كلامهم ، لأنهم أتوا في قولهم { إنما أنت مفتر } بصيغة قصر هي أبلغ مما قالوه ، لأن قولهم : { إنما أنت مفتر } قصر للمخاطب على صفة الافتراء الدائمة ، إذ الجملة الاسمية تقتضي الثبات والدّوام ، فردّ عليهم بصيغة تقصرهم على الافتراء المتكرّر المتجدّد ، إذ المضارع يدلّ على التجدّد .

وأكّد فعل الافتراء بمفعوله الذي هو بمعنى المفعول المطلق لكونه آيلاً إليه المعنى .

وعُرّف { الكذب } بأداة تعريف الجنس الدّالة على تميّز ماهية الجنس واستحضارها ، فإن تعريف اسم الجنس أقوى من تنكيره ، كما تقدّم في قوله تعالى { الحمد لله رب العالمين } [ سورة الفاتحة : 2 ] .

وعبّر عن المقصور عليهم باسم الموصول دون أن يذكر ضميرهم ، فيقال : إنما يفتري الكذب أنتم ، ليفيد اشتهارهم بمضمون الصّلة ، ولأن للصّلة أثراً في افترائهم ، لما تفيده الموصولية من الإيماء إلى وجه بناء الخبر .

وعليه فإن من لا يؤمن بالدلائل الواضحة التي هي آيات صدق لا يسعه إلا الافتراء لترويج تكذيبه بالدلائل الواضحة . وفي هذا كناية عن كون تكذيبهم بآيات الله عن مكابرة لا عن شبهة .

ثم أردفت جملة القصر بجملة قصرٍ أخرى بطريق ضمير الفصل وطريق تعريف المسند وهي جملة { وأولئك هم الكاذبون } .

وافتتحت باسم الإشارة ، بعد إجراء وصف انتفاء الإيمان بآيات الله عنهم ، لينبه على أن المشار إليهم جديرون بما يرد من الخبر بعد اسم الإشارة ، وهو قصرهم على الكذب ، لأن من لا يؤمن بآيات الله يتّخذ الكذب ديدناً له متجدّداً .

وجعل المسند في هذه الجملة معرّفاً باللام ليفيد أن جنس الكاذبين اتّحد بهم وصار منحصراً فيهم ، أي الذين تَعرف أنهم طائفة الكاذبين هم هؤلاء . وهذا يؤول إلى معنى قصر جنس المسند على المسند إليه ، فيحصل قصران في هذه الجملة : قصر موصوف على صفة ، وقصر تلك الصفة على ذلك الموصوف . والقصران الأوّلان الحاصلان من قوله : { إنما يفتري } وقوله : { وأولئك هم } إضافيان ، أي لا غيرهم الذي رموه بالافتراء وهو محاشًى منه ، والثالث { أولئك هم الكاذبون } قصر حقيقي ادّعائي للمبالغة ، إذ نزل بلوغ الجنس فيهم مبلغاً قوياً منزلة انحصاره فيهم .

واختير في الصّلة صيغة { لا يؤمنون } دون : لم يؤمنوا ، لتكون على وزان ما عُرفوا به سابقاً في قوله : { الذين لا يؤمنون بآيات الله } ، ولما في المضارع من الدلالة على أنهم مستمرّون على انتفاء الإيمان لا يثبت لهم ضدّ ذلك .