روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{إِنَّمَا يَفۡتَرِي ٱلۡكَذِبَ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰذِبُونَ} (105)

وقوله سبحانه : { إنَّمَا يَفْتَري الْكَذبَ الَّذِينَ لا يُؤْمنُونَ بآيَات الله } تمهيد لكونهم هم المفترين وقلب عليهم بعد أن حقق بالبيان البرهاني براءة ساحته صلى الله عليه وسلم عن لوث الافتراء ، وقوله تعالى : { وَأُوْلئِكَ هُمُ الكاذبون } إشارة إلى قريش القائلين : { إنما أنت مفتر } [ النحل : 101 ] وهو تصريح عبد التعريض ليكون كالوسم عليهم ، وهذا الأسلوب أبلغ من أن يقال : أنتم معشر قريش مفترون لما أشير إليه ، وإقامة الدليل على أنهم كذلك وأن من زنوه به لا يجوز أن يتعلق بذيله نشب منه أي إنما يليق افتراء الكذب بمن لا يؤمن لأنه لا يترقب عقاباً عليه وقريش كذلك فهم الكاذبون أو إشارة إلى { الذين لاَ يُؤْمِنُونَ } [ النحل : 104 ] فيستمر الكلام على وتيرة واحدة ، والمعنى أن الكاذب بالحقيقة هذا الكاذب على ما قرروه في قوله تعالى : { وأولئك هُمُ المفلحون } [ البقرة : 5 ] واللام للجنس وهو شهادة عليهم بالكمال في الافتراء ، فالكذب في الحقيقة مقيد بالكذب بآيات الله تعالى ، وأطلق إشعاراً بأن لا كذب فوقه ليكون كالحجة على كمال الافتراء أو الكذب غير مقيد على هذا الوجه على معنى أنهم الذين عادتهم الكذب فلذلك اجترؤا على تكذيب آيات الله تعالى دلالة على أن ذلك لا يصدر إلا ممن لهج بالكذب قيله ، ويدل على اعتبار هذا المعنى التعبير بالجملة الاسمية ولذا عطفت على الفعلية ، وفيه قلب حسن وإشارة إلى أن قريشاً لما كان من عادتهم الكذب أخذوا يكذبون بآيات الله تعالى ومن أتى بها ، ثم لم يرضوا بذلك حتى نسبوا من شهدوا له بالأمانة والصدق إلى الافتراء .

وموضع الحسن الإيماء إلى سبق حالتي النبي صلى الله عليه وسلم وقريش أو الكذب مقيد على هذا الوجه أيضاً بما نسبوا إليه عليه الصلاة والسلام من الافتراء ، و { الذين لاَ يُؤْمِنُونَ } [ النحل : 104 ] على هذا المراد به قريش من إقامة الظاهر مقام المضمر ، وإيثار المضارع على الماضي دلالة على استمرار عدم إيمانهم وتجدده عقب نزول كل آية واستحضاراً لذلك وهذا الوجه أيضاً بما نسبوا إليه عليه الصلاة والسلام من الافتراء ، و { الذين لاَ يُؤْمِنُونَ } على هذا المراد به قريش من إقامة الظاهر مقام المضمر ، وإيثار المضارع على الماضي دلالة على استمرار عدم إيمانهم وتجدده عقب نزول كل آية واستحضاراً لذلك وهذا الوجه مرجوح بالنسبة إلى السوابق ، وقد ذكر هذه الأوجه صاحب الكشاف وقد حررها بما ذكر المولى المدقق في كشفه ، والحصر في سائرها غير حقيقي ، ولا استدراك في الآية لا سيما على الأول منها ، وهي من الكلام المنصف في بعضها . وتعلقها بقوله سبحانه حكاية عنهم : { إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍ } [ النحل : 101 ] لأنها كما سمعت لرده ، وتوسيط ما وسط لما لا يخفى من شدة اتصاله بالرد الأول .